يقول صندوق النقد الدولي: إن معدل البطالة بين الشباب في بلدان المنطقة يصل لمستوى 25 في المائة، وهو يفوق المعدلات فى أي منطقة أخرى من العالم. والمفارقة الكبرى أن التعليم لا يمثل حصانة ضد البطالة في المنطقة. ففي الواقع، تميل معدلات البطالة للازدياد كلما ازداد مستوى التعليم، وبما يتجاوز 15 في المائة بالنسبة للحاصلين على التعليم الجامعي.
لذلك يدعو الصندوق إلى أن تركز الاستراتيجيات الاقتصادية متوسطة الأجل على توفير الفرص الاقتصادية للجميع، بما في ذلك المساواة في إتاحة فرص أفضل للحصول على الائتمان. ولا يمكن توفير الوظائف دونما إصلاح لنظم التعليم لإعداد خريجين يمتلكون المهارات المطلوبة في سوق العمل الحديث. وهناك ثمة حاجة إلى إصلاح سوق العمل ذاته لإزالة أوجه الجمود وتوفير المزيد من فرص العمل.
ومن الضروري أيضاً تعزيز الشفافية والحد من البيروقراطية للمساهمة في إقامة بيئة مواتية للأعمال ودعم دور القطاع الخاص في الاقتصاد، ومن ثم توفير فرص العمل الضرورية. ومن خلال التقدم في هذا المجال، يمكن العمل أيضاً على احتواء القطاع غير الرسمي تحت المظلة الرسمية، مما يحفز الاقتصاد، ويعزز النمو الذي يستفيد منه الجميع. والواقع أنه لا يوجد سبيل آخر لتوفير ثمانية ملايين فرصة عمل، وهو العدد المطلوب من أجل تخفيض معدلات البطالة وتلبية احتياجات المنضمين الجدد إلى القوى العاملة في المنطقة، خلال العقد القادم. كذلك يتعين مراعاة الدقة في تصميم نظام الدعم، الذي يعتمد عليه الكثيرون في المنطقة، والذى يقدر صندوق النقد الدولي تكلفته بنحو 90 مليار دولار، أي نحو 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة فى عام 2011.
ويتفق معظم صناع السياسات على أن النمو عنصر جوهري في أي استراتيجية لمعالجة مستويات البطالة التي تسجل ارتفاعا مزمنا في المنطقة ورفع مستويات المعيشة فيها. والسؤال المطروح في هذا الخصوص: ما الدور الذي يمكن أن يؤديه القطاع المالي؟
يؤكد الصندوق أن وجود قطاع مالي ديناميكي ونشيط من شأنه تحقيق نتائج اقتصادية أفضل، مما يؤدي بدوره إلى نمو اقتصادي أسرع وأكثر مساواة. وعلى ذلك، فإن مفتاح الإجابة عن هذا السؤال هو النظر في تجارب الماضي وبحث الكيفية التي ساهم بها القطاع المالي تاريخيا في نمو المنطقة.
ولسوء الحظ، لم تحقق تجربة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نجاحا مماثلا لما تحقق في مناطق أخرى. وعلى الرغم من أن نطاق أنشطة البنوك وأسواق الأسهم في المنطقة ككل، الذي يسميه الاقتصاديون العمق المالي، كان مماثلا لمتوسط البلدان الصاعدة والنامية على مستوى العالم، فإن هناك فريقين مهمين في هذا الصدد:
هناك تفاوت كبير بين القطاعات المالية في مختلف بلدان المنطقة. ففي عام 2008، على سبيل المثال، كان الائتمان المقدم للاقتصاد في البلد الذي يمتلك أعمق قطاع مصرفي أكثر بستة عشر مرة من المقدم في البلد الذي يمتلك أقل القطاعات المصرفية عمقا. وبينما نجد أن مستويات النشاط في أسواق الأسهم في بلدان كالمملكة العربية السعودية مماثلة للمستويات المشاهَدة في البلدان المتقدمة.
ينبغي أن تتيح النظم المصرفية مزيدا من الائتمان في كثير من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظرا لقدرة هذه البلدان على جذب الودائع. فباستثناء البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، كان حجم القروض كنسبة من الودائع في النظم المصرفية على مستوى المنطقة أدنى بكثير من متوسط البلدان الصاعدة والنامية على مستوى العالم على مدار الثلاثين عاما الماضية.
والأهم من ذلك أن المزايا المقدمة من بنوك المنطقة على مختلف مستويات عمقها المالي لا تضاهي المزايا المقدمة من البنوك في مناطق أخرى. فالخدمات المالية المتاحة لم تكن بالقدر نفسه، طبقا لما ورد في المسوح ذات الصلة. ومقارنة بالمناطق الأخرى، نجد أن عدد الشركات التي تحصل على تمويل مصرفي أقل نسبيا، وهناك نسبة أكبر تشير إلى صعوبة الحصول على القروض باعتبارها عقبة أساسية أمام تخطيط الأعمال، كما توجد نسبة أقل من السكان لديها حسابات جارية أو تتاح لها الاستفادة من ماكينات الصرف الآلي. ويغلب على القروض المصرفية التركز في عدد صغير من المقترضين، مع استثناء عدد كبير من الشركات التي يمكن أن تكون داعمة للنمو.
ولذلك ليس من المستغرب أن يكون تأثير عمق النظام المصرفي في النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أدنى بنسبة الثلث على الأقل من التأثير المقابل في البلدان الصاعدة والنامية الأخرى، طبقا لما ورد في تحليل شمل بلدان العالم. فإذا ازداد عمق النظام المصرفي ليصل إلى متوسط البلدان الصاعدة والنامية، على سبيل المثال، يمكن أن تزداد مساهمة الفرد في النمو بنسبة 1,5 نقطة مئوية فقط. وفي المقابل، يمكن أن يتسارع معدل النمو بمقدار 3/1 2 نقطة مئوية كاملة. وهكذا، فإضافة إلى ضحالة القطاع المالي في بعض بلدان الشرق الأوسط، يبدو أن الوساطة المصرفية في المنطقة ككل تعاني فجوة في الجودة إذا ما قورنت ببقية أنحاء العالم.
إذن كيف يمكن لصناع السياسات في المنطقة زيادة مساهمة النظام المالي في النمو؟ يقول الصندوق إنه يمكن اتخاذ خطوات لتحقيق الأهداف التالية في دول المنطقة بما يحقق مساهمة أكبر للقطاع المصرفي في النمو الاقتصادي، ومنها تحسين الشروط التي تخضع لها البنوك والأسر والمستثمرون والشركات عند المشاركة في المعاملات المالية؛ وتحسين الأطر القانونية التي تحمي حقوق الدائنين والمساهمين؛ وترشيد نظم الإعسار؛ وإقامة أسواق أولية وثانوية للسندات الحكومية؛ وإلغاء القيود المفرطة على الائتمان و أسعار الفائدة. ومن العوامل المساعدة أيضا مواصلة الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، عن طريق زيادة إقبال الجمهور على إيداع الأموال في البنوك أو أسواق رأس المال المحلية.