لا يجد المعنيون في الدولة أي حرج في التحدث عن البترول (نفط أو غاز)، مثلما يتحدثون عن قوانين الانتخابات النيابية: فالأمران كما الطلاسم التي يتوجب على اللبنانيين فكّها لفهمها، إن استطاعوا.
ويأتي الإعلان عن «استقبال طلبات التراخيص للتنقيب عن النفط»، كنموذج بسيط عن الالتباس السائد لدى الأوساط الرسمية والإعلامية في شأن وقائع قضية «الثروة اللبنانية الموعودة» وتفاصيلها. ذلك أن الإعلان الأخير الذي وصفه وزير الطاقة جبران باسيل بـ«الإنجاز الكبير» للبنانيين، في جلسة الحكومة الوداعية للعام 2012، لم يكن منسجماً مع فحوى القرار الحكومي. فقد أقرّ مجلس الوزراء المراسيم التطبيقية المتعلقة بقانون الموارد البترولية في المياه البحرية، التي كانت معدّة سلفاً، ووافق على الأنشطة التي تؤدي إلى إطلاق دورة التراخيص، في الثاني من أيار المقبل. إلا أن المعنيين في الدولة أوحوا، سواء عن جهل أو «سهواً»، بأن وزارة الطاقة ستبدأ فوراً باستقبال طلبات الشركات البترولية، فيما المعضلة الحالية ما زالت تكمن في الخطوة الأولى التي يتعيّن اتخاذها.
فاستناداً إلى الجدول «البترولي» الذي أقرّه مجلس الوزراء، يُفترض أن يقدّم باسيل، في جلسة الحكومة المقبلة (بعد غد)، مشروع مرسوم تأهيل الشركات التي ستشارك في دورة التراخيص، لكن المعلومات ترجّح عدم مناقشة الموضوع في الجلسة.
وحتى موعد استقبال طلبات التراخيص في الثاني من أيار المقبل، وخلافاً لما شاع في لبنان عن بدء الاستقبال، ثمة أربع خطوات أساسية تسبق استحقاق الثاني من أيار، أبرزها إعداد المرسوم المتعلق بتأهيل الشركات، والذي يُفترض أن تكون هيئة إدارة قطاع البترول قد سلّمته إلى باسيل.
وفي حين يمتنع أفراد الهيئة الستة عن الحديث إعلامياً، تبقى فحوى الشروط التي يتوجهون لفرضها على الشركات البترولية مجهولة، ومعها، ثمة أسئلة عن إمكانية مشاركة شركات لبنانية في التأهّل لأن تكون «صاحبة حق» في الاستثمار البترولي اللبناني، والشركات «صاحبة الحق» هي غير «الشركات المشغّلة» التي لا وجود لها في لبنان.
التراخيص ستُمنح لاتحادات، كل منها مكوّن من ثلاث شركات، وليس شركة واحدة، بغية ضمان عدم وجود احتكار. وكل اتحاد يضم «صاحبي حق» وشركة مشغلة واحدة، يحق لها أن تقدّم للعمل على أكثر من كتلة بحرية واحدة (بلوك).
تتولى الشركة المشغّلة التخطيط والإعداد والتركيب، وتقوم بتنفيذ الأنشطة البترولية في المكمن الموجود في باطن البحر، مثل الاستطلاع والاستكشاف والإنتاج والاستثمار، ومدّ خطوط الأنابيب، وتطوير المرافق والإنتاج من المكامن والنقل. وبات معروفاً أنّه يتعيّن على الشركات المشغّلة أن تتمتع بخبرات وقدرات مالّية عالية، وسبق لها أن عملت في مجال الحفر في البحار، مما يفرض على الهيئة التشددّ في شروط منح التراخيص، إلا أن التحدّي الأساس أمام كل من الهيئة والحكومة هو: هل سيُفتح الباب أمام شركات لبنانية، لتكون «صاحبة حق»؟
يُعرّف قانون الموارد البترولية للمياه البحرية، «صاحب الحق»، كالتالي: «أي شركة مساهمة، تساهم في الأنشطة البترولية، من خلال اتفاقية استكشاف وإنتاج بترولي، أو رخصة بترول تخوّلها العمل في قطاع البترول». وتشير مصادر معنية في ملف البترول، إلى أن المعايير الأساسية المطلوبة لمنح «صاحب الحق» رخصة رسمية، تتطلّب وجود «كفاءة مالية عالية (توفّر 40 مليون دولار كحد أدنى)، ووجود فريق عملي يتمتع بكفاءات فنّية». حتى الآن، لم يُعرف بعد كيف تعاطت هيئة إدارة قطاع البترول مع الأمر، أي هل فرضت شروطاً قاسية تمنع استفادة شركات لبنانية من أن تكون «صاحبة حق»، علماً أن القرار النهائي سيتخذه مجلس الوزراء مجتمعاً.
وتقول المصادر المعنية إن «الدول العالمية التي تكتشف وجود ثروات بترولية لديها، تقوم بمنح الأفضلية للشركات الوطنية، خصوصاً في ظل وجود منافسة متكافئة لديها»، مشيرة إلى أن «لبنان لا يملك شركات مشغلة حالياً، لكنه يستطيع التنافس من خلال تأهيل شركات لتكون صاحبة حق».
وثمة لبنانيون يتمتعون بكفاءات عالية، وفق المصادر، يشغلون مراكز «حساسة» في شركات بترولية عالمية، ومنها مناصب إدارية عالية في شركات مثل «شل» الهولندية، و«توتال» الفرنسية، و«بي. بي.» (BP) البريطانية.
ويمكن لمنح شركات لبنانية رخص «صازحبة حقّ»، أن يعود بالنفع على اللبنانيين المغتربين والموجودين في لبنان عبر توظيفهم، مثلما حدث مع شركات لبنانية في قطاعات الاتصالات وتوليد الكهرباء والمواد الغذائية، والتي سرعان ما انطلقت إلى العالمية. في المقابل، تكشف مصادر وثيقة الصلة بملف البترول، عن توجس من حصول عمليات مالية غير شرعية، في حال تمّ التساهل في منح تراخيص «صاحب حق» لشركات لبنانية. إذ يمكن حصول شركات لبنانية وهمية على تراخيص فعلية، ثم تقوم ببيعها لشركات أجنبية لا تتمتع بكفاءات مهنية جدية، بسعر تجاري، بينما «المطلوب وجود شركات لبنانية جدية فعلياً، كي تستفيد فئة كبيرة من اللبنانيين عبر التوظيف». أما «تجارة التراخيص» لو حصلت، وفق المصادر، فإنها ستحوّل النعمة البترولية إلى نقمة، وليس مستبعداً أن تشارك جهات رسمية في تسهيل الموضوع، بغية الاستفادة من عمولات مالية ضخمة.
ما زال اللبنانيون أصلاً متشائمين إزاء احتمال وجود كميات هائلة من الغاز في مياه بحرهم، ولم يصدّقوا أنّ المياه الجنوبية وحدها تحتوي على 12 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، موزّعة على مساحة ثلاثة آلاف كيلومتر مربّع، وفق نتائج مسوحات شركة «سبيكتروم» النروجية.
وفي حال صدّقوا، سيكون السؤال الأساسي هو: «ماذا سنستفيد؟ ومن يضمن ألا يُنهب ما في البحر كما يُنهب ما على الأرض؟».