وكأن العالم لا يتعلم من أزماته المالية شيئا، فمع اندلاع الأزمة المالية العالمية في الولايات المتحدة في 2008 والتي كان سببها هو نظام الرهن العقاري، ها هي المملكة العربية السعودية تطل علينا معلنة أنها سوق تقوم بتطبيق نظام الرهن العقاري الذي من المتوقع أن يودي بحياة الاقتصاد السعودي إذا لم يتم اتخاذ كافة التدابير والإجراءات التي تنظم عملية التمويل بنظام الرهن العقاري. وكما نعلم جيدا أن الرهن العقاري هو إحدى أدوات التمويل التي ترتبط بالعقار، خصوصا المساكن، وقد تم تسمية نظام التمويل هذا بالرهن العقاري لتمييزه عن صور التمويل الأخرى، والرهن العقاري إحدى الأدوات المطبقة بشكل واسع حول العالم بغرض توفير فرص أكبر لتملك المساكن من خلال إشراك القطاع الخاص سواء في التطوير أو التمويل، وذلك لتوفير فرص أكبر للمواطن للحصول علي مسكن بدلا من الاعتماد فقط على الدعم الحكومي الذي أصبح حاليا يأخذ فترة طويلة قد لا يتمكن المواطن من تملك المسكن في بدايه حياته الاسريه.
يعتبر القطاع العقاري السعودي من أكبر القطاعات الاقتصادية على مستوى الدول الخليجية، حيث تتجاوز قيمته السوقية الفعلية سنويا 900 مليار ريال 240 مليار دولار. وعلى الصعيد الآخر ورغم القلق والمخاوف بشأن الرهن العقاري، أعلن المسئولون السعوديون أن نظام الرهن العقاري سوف يعمل على تحديد التزامات وحقوق الأطراف الدائنة والمدينة بطريقة نظامية وواضحة، وهو إصلاح قانوني بالدرجة الأولى ويخدم طرفي الإقراض، ما سيسهم في خفض مخاطر الإقراض العقاري والإقراض بوجه عام، خصوصاً بالنسبة للمقرضين وخفض مخاطر الإقراض سيقود إلى تشجيع منح الائتمان وتدفق الموارد نحو استخدام الرهن العقاري كضمان للقروض الممنوحة لتملك العقار أو أية أسباب أخرى، ومن المتوقع أن يقود التطبيق السليم للرهن العقاري إلى خفض مخاطر الإقراض العقاري الذي سييسر من منح الائتمان للقطاع العقاري، كما سيسهم بدوره في الحد من تكاليف منحه ولو بنسب ضئيلة، وهذا قد يخفض في حالة وجود منافسة جيدة في الأسواق المالية من تكاليف الإقراض العقاري الفرق بين الرهن العقاري والتمويل العقاري الرهن العقاري : كما قلنا أنه نظام يقوم على مبدأ رهن ما يمتلكه المستهلك للحصول على خيارات متعلقة بالتمويل كالقروض الاستهلاكية أو قروض توسع النشاط التجاري حيث يجب تحديد العقار الذي يملكه طالب الرهن قبل البدء في أي إجراء أو خطوات فإذا كان المستهلك مالكا لعقار وأراد الحصول على تمويل مالي سيولة نقدية فإن العقار الذي يملكه يقوم مقام الضامن وليس الراتب عن طريق رهنه حسب نظام الرهن العقاري وبعد ذلك يحصل على السيولة النقدية وتكون السيولة بمقدار قيمة العقار أو أقل.
التمويل العقاري : هو نظام يتعلق بمسألة سد حاجة المستهلك لتملك العقار فقط عن طريق بقاء ملكية العقار للممول إلى حين سداد مستحقات التمويل حسب العقد المبروم. المخاوف بشأن الرهن العقاري في السعودية في الحقيقة إن تطبيق نظام الرهن العقاري لن يخفض تكاليف تملك الوحدات العقارية كما يعتقد البعض، لكن ارتفاع الطلب الكلي على العقارات سوف يقود أسعار القطاع العقاري ليكون فقاعة سعرية شبيهة بفقاعة 2008 في الولايات المتحدة. ارتفاع الطلب على تملك العقارات بنظام الرهن العقاري سوف يؤدي إلى ارتفاع حجم القروض العقارية التي سيمنحها النظام المصرفي ومؤسسات الإقراض الأخرى، وهو ما سينتج عنه زيادة تعرض البنوك والمؤسسات المالية المرتبطة بالقطاع العقاري، كما أن هذا التعرض سيولد مخاطر للقطاعين المصرفي والمالي بوجه عام، خصوصا في وجود شكوك حول ميل المصارف بدرجة كبيرة لخدمة كبار الملاك الذين يسيطرون على مجالس إداراتها، وستتفاقم المخاطر إذا تم استخدام ممارسات مضللة لتسهيل عملية الاقتراض. يوجد هناك مخاوف أيضا من استخدام معدلات فائدة متغيرة، أو توريق القروض العقارية.
وستتصاعد المخاطر مع استمرار التصديق بالوهم الكبير القائم في الأسواق الذي يتجاهل إمكانية تراجع أسعار العقار ويعتقد باستمرارها في الصعود إلى الأبد، وهذا الوهم تسبب في إحداث الكارثة العقارية في اليابان في التسعينات، وما زالت اليابان تعاني حتى هذا الوقت آثار تلك الأزمة، كما تسبب هذا الوهم في الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، والتي ما زال العالم يعاني آثارها حتى هذه اللحظة. تأتي المخاوف أيضا من أن هذا النظام سوف يؤدي إلى تفشي المضاربات في القطاع، وكلنا نعلم جيدا أن دخول المضاربات في أي قطاع مالي أو اقتصادي أو تجاري في العالم غالبا ما يؤدي إلى انهياره. يسود القلق في المملكة بين خبراء الاقتصاد من أن يتسبب الرهن العقاري في إيجاد أرضا خصبة للقروض الاستهلاكية البحتة، متوقعين وصول قيمة السيولة النقدية في المملكة إلى ما يقارب تريليوني ريال خلال الأعوام الخمس المقبلة، مما قد يسبب التضخم في السوق العقارية وسوق الأسهم، بالإضافة إلى أنه مع ضيق الفرص الاستثمارية المحلية ومع ارتفاع العرض النقدي في الدولة، ستزداد نسب التضخم وترتفع الأسعار والسلع والخدمات، في الوقت الذي لا يوجد فيه أوعية جيدة لامتصاص السيولة.
توقف محدودي الدخل عن دفع أقساط رهن منازلهم بعد أن أرهقتهم الأقساط المتزايدة مما يؤدي إلى استحواذ البنوك على العقار محل الرهن وبالتالي يكثر المعروض في السوق فتنهار أسعار العقارات فتنهار البنوك والمؤسسات المالية فينهار النظام المصرفي والاقتصاد. تحول قطاع الخدمات ليكون قطاعا سائدا في الاقتصاد بدلا من قطاع الانتاج الفعلي، فلو لاحظنا ما حصل لأوروبا التي نقلت صناعاتها إلى الصين والدول الناشئة الأخرى وكيف اهتزت بقوة رغم أنها كانت قد تجنبت فقاعة الثمانينات من القرن الماضي والتي هزت اليابان وأمريكا، وكذلك فنحن نرى دولاُ مثل الصين لم تتأثر إلا بشكل طفيف والسبب طبعا شكل الاقتصاد السائد. هذا السبب يجعلنا نتساءل دوما عن دور حكوماتنا العربية في قيادة شكل قطاع الاقتصاد وحفظ توازنه بدلا من تحوله إلى اقتصاد خدمات كامل قائم على المطاعم وشركات الخدمات الخلوية.
زيادة العرض النقدي في الأسواق مصحوبا بتسهيلات مبالغ بها من البنوك، هذه السيولة الكبيرة والتسهيلات غير المرتبطة بنظام وقائي يجعل من المغامرة أمرا طبيعياً ومعتاداً لدى الأفراد، تلك المغامرة تجعل من ارتفاع قيمة الأصول والسلع رد فعل طبيعي انتظارا لمغامر يشتريها. زيادة المضاربة في أسواق الأسهم على أسهم قطاع التأمين وقطاع العقارات حتى تصل الأسعار مستويات مبالغ فيها ومن ثم يقوم المضاربون ببيع جماعي لهذه الأسهم لجمع أموالهم فتتهاوى الأسعار فتنهار على إثرها السوق المالي السعودي وذلك لما يمثله قطاع التأمين وقطاع العقارات من قيمة كبيرة في سوق المال.