اعتبر مختصون نفطيون أن استحواذ السعودية على أكبر مصفاة أمريكية بورث آرثر، بداية لانتعاشة أوسع في الاستثمارات النفطية السعودية في الولايات المتحدة، وتعزيز مكانتها في سوق التكرير العالمية في إطار خطة التطور والتنوع السعودي في مجال الطاقة، وفي ظل سعي الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترمب لتدعيم الاستثمارات في مجال النفط والغاز، مخالفا توجهات الإدارة السابقة.
يأتي ذلك بعد الاعلان أمس عن استحواذ شركة أرامكو بشكل كامل على مصفاة النفط بورث آرثر، أكبر مصفاة في الولايات المتحدة.
وقالت شركة شل الهولندية، التي كانت تملك نصف أسهم شركة موتيفا إنتربرايزس المشغلة للمصفاة في بيان صحافي إنه تم الانتهاء من إجراءات نقل ملكية حصتها في المصفاة إلى "أرامكو"، صاحبة النصف الآخر من أسهم "موتيفا إنتربرايزس".
وبذلك تكون "أرامكو" قد استحوذت بشكل كامل على "بورث آرثر"، التي تعد جوهرة تاج صناعة تكرير النفط في الولايات المتحدة. وتقع المصفاة في ولاية تكساس، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى 600 ألف برميل يوميا.
وإلى جانب المصفاة باتت "أرامكو" تمتلك 24 محطة توزيع في المنطقة. كما تحصل على الحق الحصري في بيع البنزين والديزل الذي يحمل علامة "شل" في جورجيا وكارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية وفرجينيا وماريلاند والنصف الشرقي من ولاية تكساس وأغلب فلوريدا.
وفي هذا الإطار، قال لـ"الاقتصادية" لاديسلاف جانييك؛ مدير شركة سلوفاكيا للنفط "سلفونفط"، إن الولايات المتحدة تنتهج نهجا جديدا فيما يخص النفط والغاز وتسعى لتعزيز الاستثمارات بهما باعتبارهما المحور الرئيس للطلب العالمي بين موارد الطاقة المختلفة، كما أنه يعزز النمو ويوفر فرص عمل واسعة في البلاد.
وأشار إلى أن من المتوقع أن تكون هناك علاقات استثمارية أقوى بين دول "أوبك" والولايات المتحدة والدليل على ذلك ما أعلن أخيرا عن استحواذ شركة أرامكو على أكبر مصفاة أمريكية "بورث آرثر"، مشيرا إلى أن السعودية هي ثاني أكبر مصدر للنفط للولايات المتحدة بعد كندا والصادرات النفطية السعودية إلى السوق الأمريكية تشهد نموا مطردا وارتفعت أخيرا بوتيرة كبيرة بلغت 32 في المائة وذلك بحسب بيانات أمريكية.
وتوقع جانييك، زيادة الاستثمارات النفطية السعودية في الولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، كنتيجة لعلاقات التعاون الواسعة في مجال الطاقة ولرغبة الجانب السعودي في تنويع أنشطته واستثماراته في مجال الطاقة وأيضا لرغبة الجانب الأمريكي في إعطاء دفعة أكبر للاستثمارات في مجال الطاقة التقليدية.
وبحسب "شل"، فقد توصلت في آذار (مارس) الماضي لاتفاق بيع حصتها في "موتيفا إنتربرايزس" لعملاق النفط "أرامكو" بقيمة 2.2 مليار دولار.
وفي سياق آخر خص بالسوق النفطية، أكد عصام المرزوق؛ وزير النفط الكويتي ورئيس اللجنة الوزارية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج، أن كل دول "أوبك" والمنتجين عامة يتطلعون إلى اليوم الذي تعود فيه الاستثمارات النفطية مرة أخرى إلى المستويات الصحية، وأن تسهم صناعة النفط الخام في جعل الاقتصاد العالمي أكثر قوة.
وأشار إلى أن تحقق هذه الغاية يتطلب تعاونا واسعا من جميع الأطراف على المدى الطويل، خاصة تعزيز علاقات التعاون المستمر بين منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والمنتجين المستقلين، مؤكدا أن المنتجين قطعوا بالفعل شوطا طويلا نحو تحقيق هذه الأهداف.
وأضاف المرزوق في تقرير حديث لمنظمة أوبك، أن اللجنة الوزارية المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج تواصل عملها بجد من أجل توفير الضمانات لاستعادة الاستقرار في السوق، وهي المحرك الرئيس للقرارات الجديدة التي ستتبلور خلال الاجتماع الوزاري المقبل لمنظمة أوبك في فيينا في 25 مايو الجاري.
وقال إن اللجنة تأمل في مزيد من الثبات والالتزام من قبل المنتجين ببرامج العمل المشترك لأن هذا الأمر هو الكفيل بتحقيق نتائج إيجابية تعزز نمو الصناعة وتدعم استقرار السوق، كما أنها تساعد بشكل جيد في إعادة بناء الثقة في أسواق النفط العالمية وتحقيق الاستقرار المستدام الذي نسعى كمنتجين جميعا جاهدين من أجله.
وأشار إلى أن "التزام المنتجين كان جيدا في الشهور الماضية، ونأمل أن يستمر على نفس الوتيرة أو أفضل، ما سيسهل الاجتماع الوزاري المقبل، ويعبر بسوق النفط من المرحلة الحرجة والدقيقة الحالية".
وأوضح المرزوق، أن "المنتجين عازمون على بلوغ أهدافهم المشتركة ونستطيع بالفعل تحقيق التوازن والعودة إلى السوق المستقرة بحلول الربع الثالث من عام 2017"، محذرا من أن التأخر في بلوغ هذا الهدف بسبب أي عوامل طارئة قد ينعكس سلبا على الصناعة.
ونوه الوزير الكويتي إلى أن أبرز وأهم ملاحظات اللجنة المشتركة المعنية بمراقبة اتفاق خفض الإنتاج هو المقاومة التي يبديها مستوى المخزونات النفطية الذي ما زال عاليا على نحو كبير، خاصة في الولايات المتحدة على الرغم من الانتعاش الموسمي للطلب، مشيرا إلى أن السوق تغلب عليها حالة التقلبات السعرية وهو ما دفع خام برنت في الأيام الماضية إلى مستوى دون 50 دولارا للبرميل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي مالت أسعار النفط الخام في الأسواق الدولية مجددا نحو الارتفاع، بدعم من توقعات تراجع المخزونات إلى جانب زيادة التوافق بين المنتجين على مد العمل باتفاق خفض الإنتاج الذي تقوده "أوبك" و11 منتجا مستقلا حتى نهاية العام الجاري.
وتعافت الأسعار نسبيا على الرغم من استمرار ضغوط الزيادات المتوالية في الإنتاج الأمريكي الذي تواكب مع زيادات أخرى في إنتاج كل من ليبيا وكندا، لكن أجواء الثقة والتفاؤل بخفض الإنتاج تغلبت على العوامل السلبية وقادت إلى ارتفاعات سعرية.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية" أوسكار أنديسنر؛ مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، أن أسعار النفط الخام مالت إلى الارتفاع على الرغم من تعافي الإنتاج الليبي بشكل جيد واستمرار وفرة الإنتاجين الأمريكي والكندي، مشيرا إلى أن الرغبة في استعادة الاستقرار والتفاؤل والثقة في مواقف منظمة أوبك عززا الأجواء الإيجابية في السوق.
وأشار إلى وجود حالة رهان واسعة على نجاح اتفاق خفض الإنتاج في تقليص مستوى المخزونات، منوها إلى أن جهود "أوبك" والمستقلين تتواصل وتزداد فاعلية وعلى الأرجح ستحقق أهدافها في النصف الثاني من العام الجاري، بعد مد العمل بخفض الإنتاج مع وجود احتمال لانضمام منتجين جدد له.
من ناحيتها، أشارت لـ"الاقتصادية" ماريا جوساروفا؛ المحللة ومختصة الطاقة الروسية، إلى أن روسيا نجحت في الوفاء بالالتزام بكامل حصة خفض الإنتاج بعدما كان التباطؤ في عملية الخفض مقلقا لبعض الأوساط في السوق، مشيرا إلى أن هذا الأمر دعم مستويات الثقة ورفع طموحات التعاون بين المنتجين خاصة بين السعودية وروسيا بصفة خاصة الذين يقودان بنجاح منظومة التعاون بين المنتجين.
وتوقعت أن يكون الاجتماع الوزاري المقبل لـ"أوبك" مؤثرا بشكل جيد في تعزيز خطى التعاون بين المنتجين، وأن يعقبه تعاف أسرع للأسعار وانحسار بوتيرة قوية لمستوى المخزونات النفطية التي تعتبر أكبر العناصر المعطلة لاستعادة التوازن في السوق.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس، وسط توقعات بأن يمدد كبار مصدري "أوبك" تخفيضات الإنتاج إلى النصف الثاني من هذا العام وهو ما طغى على أثر زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة وكندا وليبيا.
وارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت 30 سنتا إلى 51.82 دولار للبرميل. وسجلت العقود الآجلة أدنى مستوى في شهر عند 50.45 دولار الأسبوع الماضي، بعد استئناف تشغيل حقلين نفطيين كبيرين في ليبيا. فيما ارتفع الخام الأمريكي الخفيف 20 سنتا إلى 49.04 دولار للبرميل.
وكانت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" قد اتفقت مع روسيا وعدد من كبار منتجي النفط الآخرين على خفض إنتاج الخام نحو 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017 في محاولة لتقليص التخمة العالمية.
وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا يوم الإثنين الماضي، إن إنتاج البلاد ارتفع فوق 760 ألف برميل يوميا مسجلا أعلى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر) 2014 مع وجود خطط لاستمرار تعزيز الإنتاج.
وبلغ إنتاج الولايات المتحدة من الخام أعلى مستوى منذ (أغسطس) آب 2015. كما وجد النفط بعض الدعم في بيانات أظهرت أن إنتاج النفط الروسي انخفض قليلا إلى 11 مليون برميل يوميا في نيسان (أبريل) مقارنة بـ11.05 مليون برميل يوميا في آذار (مارس).
ومن المتوقع أن تسجل مخزونات الخام الأمريكية تراجعا للأسبوع الرابع على التوالي من مستوى قياسي مرتفع في نهاية آذار (مارس)، لكن المخزونات لا تزال أعلى نحو 10 في المائة عن مستوياتها في نهاية العام.
وارتفعت أسعار النفط بالسوق الأوروبية أمس، لتتعافى من أدنى مستوى إغلاق في شهر المسجل في وقت سابق من تعاملات الإثنين ويأتي هذا وسط توقعات انخفاض مخزونات الخام في الولايات المتحدة للأسبوع الرابع على التوالي، وفي ظل احتمالات تمديد "أوبك" اتفاق خفض الإنتاج العالمي خلال اجتماعها الرسمي أواخر هذا الشهر.
وارتفع الخام الأمريكي إلى مستوى 49.05 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 48.70 دولار وسجل أعلى مستوى 49.12 دولار، وأدنى مستوى 48.59 دولار. فيما صعد خام برنت إلى مستوى 51.85 دولار للبرميل من مستوى الافتتاح 51.40 دولار وسجل أعلى مستوى 51.91 دولار، وأدنى مستوى 51.30 دولار.
وتجتمع منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك " يوم 25 أيار (مايو) الجاري، لمناقشة تطورات الأوضاع في أسواق النفط، وسط احتمالات قوية لتمديد اتفاق خفض الإنتاج العالمي لمدة ستة أشهر أخرى حتى أواخر هذا العام.
وتعود هذه الاحتمالات إلى استمرار مخزونات الخام العالمية أعلى من متوسط خمس سنوات، إضافة إلى تسارع الإنتاج في الولايات المتحدة لأعلى مستوياته في عامين، الأمر الذي أدى إلى صعوبة تحقيق التوازن حتى بالأسواق.
من جانب آخر، انخفضت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 49.26 دولار للبرميل يوم الإثنين مقابل 49.32 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء بالمنظمة حقق أول انخفاض عقب ارتفاع سابق، وإن السلة خسرت أقل من نصف دولار مقارنة بنفس اليوم من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 49.64 دولار للبرميل.
اقرأ أيضًا:
أرامكو السعودية تبرم اتفاقية طويلة الأجل مع شركة إنشاءات بترولية في أبوظبي
أوبك متفائلة بتحسن الاستثمارات النفطية قبل نهاية 2017
السعودية تفرض ضريبة على المستثمرين العاملين في إنتاج النفط