الاقتصاد القطري في ظل الموازنة الجديدة

تاريخ النشر: 03 يونيو 2012 - 09:31 GMT
قفزت مخصصات قطاع الصحة إلى 14 مليار بزيادة قدرها 63% عن العام الماضي بغية تطوير الخدمات الصحية وإضافة خدمات جديدة
قفزت مخصصات قطاع الصحة إلى 14 مليار بزيادة قدرها 63% عن العام الماضي بغية تطوير الخدمات الصحية وإضافة خدمات جديدة

في الوقت الذي يترقب فيه العالم تداعيات أزمة الديون الأوروبية التي تعاني منها دول الاتحاد الأوروبي ، التي ضربت أفضل النماذج في التكامل الاقتصادي والسياسي، لتجد منطقة اليورو نفسها أمام عاصفة مالية تتمثل في عدم قدرة دول هذه المنظومة على تسديد قروضها وتتجه إلى التقشف في ميزانياتها حتى تحولت أزمة الديون إلى أزمة سياسية يتهاوى أمام عنفها زعماء منطقة اليورو وتهدد ليس فقط بتفكك الوحدة الاقتصادية ولكن كذلك الاستقرار السياسي والاجتماعي في القارة الأوروبية بأكملها.

وسط هذا المناخ الذي أصبح فيه التوتر هو السمة الغالبة على التعامل مع معطيات الأزمة في كافة أنحاء العالم ، نجد دولة قطر في منأى عن هذه العواصف وتتابع السير بهدوء وثقة في بناء اقتصادها القوي واستكمال مشاريع التنمية غير مكترثة بما يشهده العالم من انتكاسات مالية.

وفي هذا الإطار اعتمد سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نائب الأمير ولي العهد موازنة الدولة للسنة المالية 2012/2013 والتي تنطلق من رؤية قطر 2030 واستراتيجية التنمية الوطنية 2011/2016 وتتمثل أبرز أهدافها في تعزيز مكانة الاقتصاد القطري كواحد من أقوى اقتصاديات العالم وبناء مستقبل أفضل من خلال الإصلاح الجذري للقطاع الحكومي ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وزيادة انتاجيته والارتقاء بعوائده الاقتصادية والاجتماعية.

وأهم ما يميز الموازنة الجديدة أنها قائمة على نهج جديد يتخذ من البرامج والأهداف التي تتبناها وتلتزم بتحقيقها الوزارات والأجهزة الحكومية خلال ثلاث سنوات أساساً لتوفير الاعتمادات المالية ، على أن تكون الوزارات والأجهزة الحكومية مسؤولة عن تحقيق النتائج الواردة في برامجها مقابل التمويل الحكومي لهذه البرامج، وبجانب ذلك تعتبر هذه الموازنة الأضخم في تاريخ قطر سواء من ناحية الإيرادات أو المصروفات حيث سجلت الإيرادات 206 مليارات ريال مقابل 163 مليار ريال في الموازنة السابقة بزيادة 27% ، وتزيد المصروفات بنسبة 28% من 140 مليار ريال في الموازنة السابقة إلى 178 مليار ريال في الموازنة الجديدة لتؤكد عزم قطر على تنفيذ مشاريعها التنموية دون توقف مع تحقيق فائض يصل إلى 28 مليار ريال بنسبة 23%.

وتراعي الموازنة كافة السيناريوهات والتوترات الإقليمية والعالمية وما يمكن أن ينتج عنها من انعكاسات على أسعار النفط لذلك اعتمدت 65 دولاراً سعراً للبرميل وهو توجه ينم عن بعد نظر في ظل غياب أية ضمانات باستمرار ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية وبالشكل الذي عليه حالياً، كما أن هذا السعر يؤكد أن الموازنة متحفظة وقادرة على تحقيق الأهداف المبنية على أساسها مع التخطيط لتحقيق فوائض مالية تستخدم في إقامة المشاريع للأجيال المقبلة ، غير أن المؤشر الأهم أيضاً هو ارتفاع الإيرادات غير النفطية من 24% إلى 30% وهو ما يتناغم مع خطة الدولة في الوصول إلى تمويل القدر الأكبر من موازنتها دون الاعتماد على النفط بحلول عام 2020.

تعكس الموازنة الجديدة أن العنصر البشري حاضر دائماً في ذهن قيادتنا الحكيمة وأنها تعمل على توجيه موارد الدولة وإمكاناتها لتحقيق الحياة الكريمة للمواطنين والارتقاء بمستويات المعيشة وهو ما تبرهنه المبالغ المخصصة للاستثمارات الاجتماعية، فقد تم تخصيص 7,1 مليار ريال لإسكان المواطنين بزيادة قدرها 1,9 مليار ريال عن السنة الماضية أي بنسبة زيادة بلغت 37% وتم اعتماد 37 مليار ريال للأجور مقارنة مع 25 مليار ريال في الموازنة السابقة وبزيادة 21%.

وقفزت مخصصات قطاع الصحة إلى 14 مليار بزيادة قدرها 63% عن العام الماضي بغية تطوير الخدمات الصحية وإضافة خدمات جديدة، وفي قطاع التعليم اعتمدت الموازنة 22 مليار ريال بزيادة 14% عن السنة الماضية لاستمرار التوسع في بناء المدارس والإنفاق على البحث العلمي حتى يصبح سمة سائدة في أغلب مؤسسات الدولة عبر الاستراتيجية الوطنية للتعليم التي تعتمد خططاً مدروسة لاستغلال أفضل الكفاءات وتدريبها بما يتفق مع رؤية قطر الوطنية 2030 التي تحدد كيفية استخدام موارد الدولة للتحول إلى اقتصاد قائم على المعرفة باعتبار أن الإنسان هو الركيزة الأساسية للتنمية ، ومن ثم بناء اقتصاد وطني قوي يضمن الانطلاق لآفاق عالمية قادر على المنافسة ولا يتأثر بتهاوي أسواق المال أو أي أزمات اقتصادية ويكون للكوادر الوطنية الدور الأكبر في تشكيل المستقبل الواعد لبلدهم.

وإلى جانب التنمية البشرية فقد أولت الموازنة اهتماماً كبيراً بالمشاريع الكبرى ومن المقدر أن يصل الإنفاق الاستثماري الحكومي إلى 62 مليار ريال أي ما يمثل 25% من إجمالي الموازنة وذلك بهدف استكمال المشاريع الكبرى كميناء الدوحة الجديد ومطار الدوحة الجديد ومشروعات الصرف الصحي وغيرها من مشروعات البنية التحتية والبدء في مشروع القطارات والمشروعات التحضيرية لاستضافة كأس العالم 2022 وهو ما يؤكد على قوة ومتانة الاقتصاد القطري رغم التحديات والصعوبات التي تواجهها الاقتصادات العالمية.

وعلاوة على استكمال المشروعات وبناء الدولة العصرية فإن التوسع في الاستثمار الحكومي يعزز الثقة لدى المستثمرين ورجال الأعمال ويحفزهم على مواصلة أعمالهم ومشروعاتهم ويفتح مجالات أوسع للاستثمار ويخلق المزيد من فرص العمل ، وتحريك النشاط الاقتصادي في الكثير من القطاعات الأخرى مثل العقارات والمقاولات وصناعة مواد البناء وبالتالي ترفع من معدلات النمو الاقتصادي وتشجع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وأخيراً فإن موازنة العام المالي الجديد تظهر حرص حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى وولي عهده الأمين على تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والحفاظ على المكانة العالمية التي وصلت إليها دولتنا وتطوير سبل الحياة لكافة المواطنين ، والاستمرار في مواصلة مسيرة النمو بعيداً عن مخاوف الانكماش التي تهدد الكثير من الأسواق الإقليمية والعالمية مرتكزة في ذلك على ما تنعم به بلدنا من استقرار سياسي واقتصادي.

وبذلك يجب على كافة مؤسسات الدولة أن تكون عند مستوى الحدث وتتفاعل مع رؤية حضرة صاحب السمو في تنفيذ برامج الموازنة وأهدافها ، كما يجب أن تمنح الحكومة والمؤسسات المالية الثقة للقطاع الخاص لكي يلعب دوراً أكبر في تنفيذ المشاريع التي تطرحها الدولة.

 هاشـم السيد