كانت أسئلة الملك عن الملفات الاقتصادية، التي أشار إليها خلال خطابه قبل العيد، فرصة مواتية كي يبني الفريق الاقتصادي للحكومة عليها، وقد سأل الملك الناس والقوى السياسية عن ست أسئلة رئيسة، أربعة تكاد تكون ملحة اليوم، وبحاجة للحصول على اجابة عليها، ومنها: كيف ستكون معالجة مشكلة الفقر والبطالة؟ وكيف سيتم حل مشكلة المديونية وعجز الموازنة؟ وما هو الإصلاح الضريبي الأفضل؟ وكيف ستتم معالجة تحديات المياه والطاقة؟. ومع أن تلك الأسئلة التي تحتاج لإجابة ملحة، ولا بدّ لمن يتصدى لها أن يمتلك برامج محددة وقوة منفذة، فإن المجيب لن يكون الأفراد أو الحراك الشعبي، ففي بلد لا تملك فيه الاحزاب عمقا ولا القوى السياسية تصورا منتظما او إطارا ناظما لفكرها الاقتصادي، يظل العبء على الحكومة كي تجيب من الناحية العملية!.
وللأسف حضرت الحكومة خطاب الملك وغادرت كأي مواطن، وكان يجب البناء على تلك الأسئلة لمشاركة الناس بأي أثر تتخذه الحكومة لمواجهة تحديات تلك الأسئلة، والتي باتت اليوم تمثل استحقاقا موجب الإجراء، حتى وإن كان علاج الداء بالكي. الحكومة اليوم ومع أي رئيس ثبت أنها لا تصمد دون مواجهة مشكلة العجز المالي الذي خلفته ازمة الطاقة، ولكن كي يجد الناس عذرا لها في أي إجراء، لا بد لها أن تقنع الناس بوضعها المالي في عدة أسئلة لا يبدو أن وزير المالية معني كثيرا بحصولنا على إجابات عنها، ومنها: ما حجم الانفاق الحقيقي على الطاقة؟ وكيف يُسعّر النفط؟ وما الإجراءات الاقتصادية المقبلة التي يمكن للمواطن ان يستعد للتعايش معها؟ وهل في التوقيع مع البنك الدولي وأي مؤسسات مانحة للحصول على دعم مالي التزامات مالية مقبلة؟ وهل وصلنا إلى الوضع الخطر في السياسيات المالية، ولا نقول السياسات النقدية فذلك شأن يخص محافظ البنك المركزي وهو المخول بالإفصاح عنه؟ أسئلة كثيرة يبد ان الحكومة لا تساعد نفسها كي يتعاون معها الإعلام في التوضيح للمواطن، الذي بات مهددا بهبوط القرارات عليه فجأة، وهو الذي لا يرى أي إجراء تقشفي حقيقي ملموس حكوميا، ولا يعلم الناس مقدار كل ما أعلن عنه سابقا من إجراءات مالية تقشفية إبان الحكومة السابقة، ولا حتى من الرسوم الجديدة التي فرضت لتعويض العجز.
هناك غموض يلف الملف الاقتصادي، وهناك عبء كبير أمام الحكومة، وهناك مواطن ينتظر النوم بهدوء دون التعرض للتهديد برفع الدعم او الأسعار، وثمة وطن بحاجة للاستقرار، والتعويل على طيبة المواطن لا يكفي كي يبقى رصيد الثقة هو ذاته. صحيح ان الكلام ليس مثل الرؤية، و الحكومة في مطبخها تعيش جو أزمة، لكنها ما زالت تحاول ان تتعامل مع الأمر بعقلية تقليدية وهذا أمر لا يصح في زمن يرى فيه الناس أن من حقهم المشاركة بتحمل كلفة كل القرارات، والإفصاح عنها قبل وقت كافٍ كيلا يباغتوا باللامعقول وغير الممكن تحمله، مع أننا نعرف أن الوضع المالي للبلد صعب جدا، و يبدو أننا متروكون لوحدنا في مواجهة مصيرنا.
صحيح اننا تقدمنا في الإصلاح السياسي، لكننا ما زلنا ندفع الثمن الاقتصادي كثيرا، وعلى الجميع تحمل المسوؤلية والمصارحة والمكاشفة. والحكومة أول المطالبين بذلك، وإذ سأل الملك عن أسئلة مهمة بشكل مفتوح على كل القوى، فإنه لا إجابة ممكنة ومقنعة نحصل عليها إلا من الحكومة أولاً.