البحرين يحتل المرتبة الثانية في التغيب الوظيفي خليجياً

تاريخ النشر: 14 مايو 2013 - 09:27 GMT
تحتل مملكة البحرين المرتبة الثانية من حيث عدد أيام العطل الرسمية لدول مجلس التعاون
تحتل مملكة البحرين المرتبة الثانية من حيث عدد أيام العطل الرسمية لدول مجلس التعاون

تطوير الاقتصاد الوطني يحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والعمل والعطاء كي نستطيع ان نواكب دول العالم في ظل النظام الاقتصادي الحر والمنافسة الحادة بين اقتصادات دول العالم النامية والمتقدمة على السواء في مجال زيادة الإنتاج وتحسين مستوى الجودة، وبالطبع هذا لا يتأتى في ظل كثرة الإجازات التي يحصل عليها العامل خلال العام، وخاصة بالنسبة إلى العاملين في القطاع الحكومي.

وقد أكدت احدى الدراسات ان عام 2013 سوف يشهد عطلاً رسمية للقطاع العام يبلغ مجموعها 18 يوماً وقد ترتفع إلى 19 يوماً مع احتساب التعويض عن يوم واحد ضمن عطلة عيد الأضحى الذي قد يصادف يوم إجازة أسبوعية، وسوف يحصل موظفو الحكومة خلال العام الجاري ما مجموعه 104 أيام إجازات أسبوعية تتمثل في يومي الجمعة والسبت، لتكون الحصيلة الإجمالية للإجازات الأسبوعية والعطل الرسمية مع احتساب التعويض 123 يوماً، ما يعادل نحو 34% من أيام السنة الميلادية مجتمعة.

والإجازات الرسمية وإن كانت حقا مشروعا للموظف إلا أنها تلحق الضرر بالاقتصاد البحريني وتتسبب في تدني الإنتاج القومي، وهذا مما لا يحبَّذ الإفراط والمبالغة فيه، إذ يجب أن نشجع الموظف على العمل وإيجاد حلول من شأنها تشجيعه على استئناف العمل والاستمرار فيه، وخاصة ان يوم الإجازة الواحد يكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة وتحتل مملكة البحرين المرتبة الثانية من حيث عدد أيام العطل الرسمية لدول مجلس التعاون، إذ تصل أيام العطل خلال هذا العام إلى 19 يوما، وتحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الأولى إذ يصل عدد أيام العطل الرسمية إلى 23 يوما، ثم سلطنة عمان في المرتبة الثالثة بحصولها على 16 يوما إجازة، تليها الإمارات بـ15 يوما، ثم الكويت 13 يوما وقطر 10 أيام، وهذه الأيام بالطبع بخلاف الإجازات الأسبوعية التي تصل إلى 8 أيام شهريا.

وعندما نتحدث عن كثرة أيام الإجازات في مملكة البحرين فلابد ان نراعي ما تمر به من أحداث مؤسفة تؤثر سلبا على الاقتصاد، مما يجعل ضرورة النظر في عدد أيام العطل والتعويض عنها امرا مهما، كي نستطيع النهوض بالوطن وتعويض خسائره، وقد أكد اقتصاديون ان الإجازات وان كانت تنعش بعض القطاعات مثل السفر والسياحة والمطاعم، بالإضافة إلى أنها ضرورة للموظف لاستعادة نشاطه، فإنها تؤثر على اقتصاد الدولة بشكل عام. يشير الباحث الاقتصادي حاتم عبدالحميد حاتم إلى ان أي دولة لا تعتمد على مردود اقتصادها بمفردها، ولكن على اقتصاد العالم ككل، نظرا إلى أن اقتصاد الدول مبني على التبادل التجاري مع الدول الأخرى في الاستيراد والتصدير، فإذا أتت دولة لتقول إنها سوف تحصل على إجازة وتغلق المصالح الحكومية فالدول الأخرى المؤثرة في المنطقة لن يتوقف اقتصادها، مما يجعل الدولة الكثيرة الإجازات تتأخر في اللحاق بالركب الاقتصادي لتوقف التعامل في التبادل التجاري أيام العطل.

وعن الحلول التي من شأنها المساهمة في حل مشكلة كثرة الإجازات يقول، هناك اقتراح مفاده ترحيل الإجازات التي تستغرق يوما واحدا إذا جاءت منتصف الأسبوع إلى آخر الأسبوع حتى لا نتخلف كثيرا عن دول العالم من حيث أيام الإجازات التي تأتي في وسط ذروة العمل، وخاصة ان العمل يتكدس في منتصف الأسبوع، أما بالنسبة إلى من يحصلون على إجازة مرضية بغير وجه حق لمجرد استكمال الإجازة الأسبوعية فهذه ثقافة يجب ان تتغير، مع ضرورة وجود عقاب رادع لكل من يتم اكتشاف انه حصل على إجازة مرضية وغادر البلد في هذه الفترة، لأن من أمن العقوبة أساء الأدب وهذا في مصلحة البحرين لأن كل يوم تتوقف الحكومة عن العمل تخسر ملايين الدنانير ولسنا في موقف نستطيع ان نتحمل الخسائر أكثر مما نتحمل بسبب الظروف الراهنة.

مناسبات مقدسة ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ مخاطر الدولة في الجامعة الخليجية دكتور محمد خيري الشيخ عبدالله، ان الإجازات التي تأتي بناء على مناسبات دينية ووطنية تعد مناسبات مقدسة، وجميع بلدان العالم تحتفل بمناسباتها ولكن الذي يختلف بيننا وبين الدول الأخرى هو فارق التواقيت، هذا بالإضافة إلى ان العديد من المرافق تنشط وتنتعش في العطلات مثل قطاعات الفنادق، والمطاعم، والترفيه، وحركة الأسواق، وهنا يجب ان تحفز هذه العطل العامل على بذل المزيد من الجهد عند عودته مرة أخرى إلى العمل.

أما بالنسبة إلى الموظف الذي يلجأ للحصول على إجازة مرضية مدة يوم أو يومين قبل أو بعد الإجازة الرسمية، فإن من يتحمل المسئولية هو من منحها له بدون وجه حق، ولذلك يجب ان يكون هناك تدقيق وتشديد من الجهات المعنية بإعطاء الإجازات المرضية إلا في حالة وجود عذر طبي قهري، بالإضافة إلى مسئولية مدير العمل المباشر، لأن كثرة العطل يضر عمل أيام من المؤسسات سواء كانت حكومية أو وزارة أو قطاع خاص.

وعن الحلول يقول الشيخ لا نستطيع ان نضع حلولا ليتم تعميمها على جميع الجهات، لأنه لا توجد منظمة شبيهة بالأخرى فلكل منها طبيعة عمل، وهنا يجب ان يترك الأمر إلى صانع القرار أو المسئول عن الموقع بقبول يوم الإجازة في أول الأسبوع أو آخره، ومنحها إلى الموظف أو عدم منحها أو توقيف منحها، فبعض الجهات تدخل نظام الإجازات في نظام الدائرة الالكترونية الخاصة بالمؤسسة وهي التي تحدد بشكل مباشر بناءً على مصلحة العمل حصول الجميع على إجازات في وقت واحد أو عدم منحهم إجازة.

تقنين الإجازات رئيس مجلس إدارة نجمة الشرق للتجارة العامة مجيد المبارك يقول: نحن دولة نحتاج إلى إنجازات أكثر مما نريد إجازات، لأن كثرة الإجازات تؤدي إلى قلة وانعدام الإنتاج، وخاصة ان العامل يحصل على إجازة أسبوعية مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى مجمل الإجازات المختلفة التي يحصل عليها على مدار العام، فالإجازة لا يستفيد منها العامل على العكس فهو يظل في البيت، وخاصة إذا كان يوم الإجازة في منتصف الأسبوع فيكون التأثير سلبيا على الإنتاج، وليس ايجابيا على الموظف لأنه لا يستثمره فيما يفيد، ونحن كمؤسسة نقدر خسائرنا بسبب مختلف العطل بـ20، هذا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى استقطاب المستثمرين، الذين أصبحوا يفضلون توظيف العمالة الأسيوية لأنهم يأتون إلى البحرين متفرغين ولا توجد لديهم ارتباطات اجتماعية وهذا سوف يقف حائلا أمام تشغيل العامل البحريني مما يزيد البطالة بالإضافة إلى تأثيره السلبي على الاقتصاد.

ومن هنا يجب علينا تقنين الإجازات والأفضل إلغاؤها وأن نكتفي بإجازة آخر الأسبوع والإجازة السنوية، على ضوء زيادة وزارة العمل للإجازة السنوية من 21 يوما إلى 30 يوما، ويكفي الاحتفال بيوم واحد في الأعياد، لأننا لسنا من الدول المتقدمة بل نحتاج إلى بناء أنفسنا اقتصاديا، وان نوضع على خريطة العالم المتقدم ولن يتأتى ذلك إلا بالتركيز على الإنتاج واستغلال كل دقيقة في العام لبذل المزيد من الجهد في العمل، وان تترك تقدير الإجازات إلى صاحب العمل وليس لتقدير القانون.

عبء كبير يقول رجل الأعمال عبدالحميد الكوهجي ان كثرة الإجازات تعد بمثابة العبء الكبير على الشركات الكبرى، لأن من شأنها تقطيع عمل تلك المؤسسات، وخاصة أننا حريصون على تعويض يوم الإجازة الرسمية إذا وافق يوم الإجازة الأسبوعية، وبعض دول الخليج لا تعوض الإجازات إذا صادفت يوم جمعة، والشركات التي تعمل في البحرين لديها الكثير من الإجازات أكثر من الشركات الصغيرة، كما ان الشركات الأجنبية لا تحبذ كثرة الإجازات الرسمية والتعويضية، هذا بالإضافة إلى ان المرأة العاملة تحصل على أشهر طويلة من الإجازات المدفوعة الأجر، مما يسبب خسائر مادية على الشركات، بالإضافة إلى توقف عجلة العمل، مما يجعل بعض الشركات لا ترغب في توظيف المرأة بشكل خاص والبحريني بشكل عام، وتفضيل العامل الأجنبي لأنه لا يهتم بالحصول على إجازات، وبالتالي يخضع البحريني لقبول أي عمل براتب اقل حتى يستطيع تيسير أموره المعيشية، لأن الشركات الأجنبية تقيس فترات العمل وتربطها بمجمل الربح والخسارة.

جميع الإجازات تؤثر سلبا على التجار.. هكذا بدأ حديثه رجل الأعمال سمير ناس مؤكدا ان صاحب العمل يحسب الربح والخسارة كنسب مئوية، ويحمل قيمة الخسائر الناتجة عن الإجازات على قيمة البضائع المباعة للمواطنين، مشيرا إلى ان معدل العطل بمملكة البحرين يعد مرتفعا مقارنة بسوانا من الدول الأخرى، كما توجد إجازات غير متوافقة مع خريطة العمل الدولية، مما يسبب خسارة كبرى لصاحب العمل وهذا يؤثر على الاقتصاد بشكل عام.

كسر الروتين يقول الخبير الاقتصادي خالد محمد عبدالرحمن نظرا إلى أن العنصر البشري له دور فاعل ومهم في دفع عجلة الاقتصاد، وبما ان العطل الرسمية تشكل دافعا معنويا للموظفين لكسر الروتين والعودة بطاقة وحماس أكثر إلى العمل، وهي حق مكتسب له بشرط ألا يساء استغلالها بالممارسات الخاطئة، فإن تأثيرها يختلف من مكان إلى آخر، فمن الناحية الإنتاجية يكون التأثير سلبيا بشكل محدود في المصانع والورش التي تعمل بنظام النوبات، نظرا إلى أن عجلة الإنتاج لا تتوقف حتى في ظل الإجازات الرسمية، أما قطاع البنوك والمصارف التي تتعامل مع البورصات والبنوك العالمية فهي المتأثر الأكبر، خصوصا لو كانت العطل الرسمية أو تعويضها تأتي بعد يومي السبت والأحد.

ويكمل قائلا: ولا ننسى الحديث عن بعض العادات والممارسات السيئة التي يلجأ إليها بعض الموظفين والتي تؤثر سلبا علي الإنتاجية كاللجوء إلى المستشفيات والمراكز الصحية والتمارض للحصول على إجازة مرضية قبل العطلة الرسمية أو بعدها لربطها بالإجازة الرسمية مباشرة، أو ربط الإجازة الرسمية بالإجازة السنوية.

وهناك شق اقتصادي من حيث تأثر تجارة البيع بالتجزئة كالمجمعات التجارية وقطاع المطاعم والفنادق إيجابا بالإجازات الرسمية بل تنتعش وتكتظ بالزبائن، أما من الناحية الاجتماعية فإن الإجازات الرسمية لها دور كبير في زيادة التواصل الاجتماعي حيث تتبادل الأسر البحرينية الزيارات لقضاء الوقت داخل المنازل أو خارجها، مما يقوي الروابط ويساعد على صلة الرحم. وعن الحلول يقول حبذا لو خير الموظف بين الحصول على العطل الرسمية كاملة أو ترحيلها إلى رصيد إجازاته السنوية وخصوصا في القطاع الخاص.

إرباك اقتصادي أما الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات الشاهين وعضو مجلس إدارة غرفة وتجارة البحرين صقر شاهين فيقول: كل الدول تعطي إجازات في مختلف المناسبات وفقا لقوانين العمل لديها، ولكن هذا لا يعني أن كثرة الإجازات لا تسبب إرباكا اقتصاديا، على العكس فتكلفتها مرتفعة وآثارها سلبية على مجمل الاقتصاد لكل دولة، هذا بالإضافة إلى خسارة صاحب العمل الذي قد تكون مبيعاته قليلة من الأساس، وايجابية هذه الإجازات تعود إلى زيادة حركة في السوق إذ تزداد القوة الشرائية مما ينعش منافذ أخرى تساهم في دعم الاقتصاد، ولكن في نفس الوقت تعود سلبا على صاحب العمل الذي يضطر إلى دفع مبالغ إضافية كبدل للعطلات الرسمية.

الأثر السلبي موجود ولكن البنوك تتجنبها من خلال تشغيلهم بأجر أضافي، ما يوجد نوعا من التكاليف، وهذا الأمر من شأنه أن يتسبب في نوع من الخسائر على رب العمل لأنه يكون مضطرا إلى دفع مبالغ إضافية لتشغيل تلك العمالة في تلك الإجازات.

وعلى الجانب الآخر يقول رجل الأعمال محمود النامليتي لا نستطيع القول ان حصول العامل على إجازات رسمية تمثل جانبا سلبيا، لأنها تنعش السوق مما يعود بالفائدة الاقتصادية على فئة التجار، والعاملون في المحلات التجارية لا يحصلون على إجازة ليكونوا في استقبال راغبي الشراء، ومن الممكن استغلال أيام الإجازات في إقامة المهرجانات التي تخدم الراغبين في الاستمتاع بالعديد من الفعاليات التي تضمها هذه المهرجانات السياحية، وخاصة أن المواطن في حاجة إلى تلك الإجازات لإعادة نشاطه.

تراجع مستمر مدير المصرف الخليجي سابقا محمد عبدالرحمن المجبل يقول: مع الأسف نحن في البحرين في تراجع مستمر فيما يخص تحفيز النمو الاقتصادي والإنتاجية. ولهذا الأمر أسباب عدة، منها التشريعات التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة وأهمها ما يتعلق بالإجازات الرسمية والعطل والأعياد.

فقد زادت بشكل ملحوظ حتى أثرت سلبيا على أداء وإنتاجية القطاعين العام والخاص، وألقت بظلالها على الاقتصاد الوطني. وقد أدت ظاهرة الإجازات هذه من جانب آخر- إلى إضعاف الثقة بسمعة البحرين كمركز مالي وتجاري رئيسي في الشرق الأوسط وغرب آسيا. ثم إن هذه الإجازات لكثرتها وقلة أماكن الترفيه في البحرين أدت إلى توجه الناس من مواطنين ومقيمين إلى قضائها خارجا، مما يعني خروج الكثير من الأموال إلى وجهات إقليمية ذات جذب سياحي أكبر مثل دبي، بيروت وغيرهما.

إذا كنا نريد حقا للبحرين أن تضطلع بدور ريادي في قيادة اقتصاديات المنطقة، فلا بد لنا من أن نراجع حساباتنا ونقنن إجازاتنا أسوة بدول الخليج العربي الأخرى كقطر والإمارات العربية المتحدة، وأن نحفز المواطنين والمقيمين على الإنتاجية والعمل الجاد والدؤوب خدمة للوطن بقيادة ربان سفينته سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى ومؤازرة سيدي صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الموقر، ودعم ومتابعة سيدي صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين حفظهم الله ذخرا للوطن والموطنين.