التكية الإبراهيمية تتابع مهمتها في خدمة الفقراء في رمضان

تاريخ النشر: 21 يوليو 2013 - 12:40 GMT
تقدم التكية في شهر رمضان المأكولات الدسمة من لحم ودجاج وشوربة وخبز. (المصدر: سمر بدر).
تقدم التكية في شهر رمضان المأكولات الدسمة من لحم ودجاج وشوربة وخبز. (المصدر: سمر بدر).

على بعد أمتار من المسجد الإبراهيمي في الخليل؛ تنبعث روائح الأطعمة الطيبة، وتعلو أصوات مئات الغلمان والأطفال الذين ينتظرون في الطابور قُبيل آذان المغرب بدقائق معدودة حتى تُملأ أوعيتهم بالشوربة المباركة كما يعتقد الخليليون منذ نحو ألف عام.

الأهالي والعائلات الفقيرة في مدينة خليل الرحمن اعتادوا منذ مئات السنين الحصول على بعض الوجبات الرمضانية من التكيّة والتي هي عبارة عن مطبخ وبه أوانٍ وقدور ضخمة تحوي علي اللحوم المطبوخة والأرز والفريكة والشوربات التي تسد رمق الفقير والمحتاج. أُسست «تكية» سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام في العهد الفاطمي، وقال بعض المؤرخين إنها أسست عام 1187، وقام بتأسيسها السلطان صلاح الدين الأيوبي، حيث أوقف لها أموالاً وأراضي وعقارات، وقد ذكر الدكتور عدنان أبوتبانة المتخصص في التاريخ الإسلامي وتاريخ الخليل إن تكية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام هي من المآثر الحسنة التي خلفها صلاح الدين الأيوبي والتي كان يقصد منها الاهتمام بالفقراء وإطعام الضيوف القادمين إلى مدينة خليل الرحمن وكذلك إطعام الجند، وقد تكونت من مطبخ ومستودعات الحبوب والمواد الغذائية وفرن وَمَدرس، وقد رصدت لذلك الأموال والوقفيات. وأكد أبوتبانة أن هناك هدفًا آخر لهذه التكية وهو إحياء أثر من مآثر سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ألا وهو الكرم، حيث كان يسمى عليه السلام أبا الضيفان، لذلك تصنع الدشيشة «الحساء» من القمح وتوزع على الفقراء والمساكين لعوزهم، كما يأتي الأغنياء ويشربون هذا الحساء تبركًا به؛ لاعتقادهم أنه من مآثر إبراهيم عليه السلام وأنه يشفيهم من أمراضهم.

وقال: «لقد أوقف الملوك والسلاطين والأمراء وقادة الجيش، المدن والقرى والعقارات الكثيرة على المسجد الإبراهيمي والتكية في الخليل، وكان ريع هذه الوقفيات يصل من مصادره في مصر والشام وشرقي الأردن ومن أنحاء فلسطين ووقفيات كثيرة في خليل الرحمن نفسها، وقد حررت وثائق هذه الوقفيات ووضعت في صندوق العمل المحفوظ حتى الآن في مقام سيدنا يوسف عليه السلام داخل المسجد الإبراهيمي». وقد أُسس أول مقر للتكية بجانب المسجد الجاولي أحد أجنحة المسجد الإبراهيمي من الجهة القبلية، وفي العهد الأردني تم نقلها إلى مقر آخر بجوار بركة السلطان، فيما عادت مديرية الأوقاف، وأسست بناء متخصصًا لها بالقرب من المسجد الإبراهيمي من الناحية الشمالية الغربية وتتبع التكية إلى وزارة الأوقاف الفلسطينية التي تشرف على إدارتها.

ويقول مدير التكية الشيخ عمار الخطيب: «تقدم التكية وجبات الحساء الذي يصنع من أجود أنواع القمح طوال العام عدا أيام الاثنين والجمعة وشهر رمضان الذي تقدم فيه الأطعمة الدسمة، حيث يبلغ عدد المستفيدين من التكية في الأيام العادية نحو 500 شخص، فيما يستفيد من توزيعات وأطعمة التكية في شهر رمضان نحو 3000 شخص بمعدل 500 أسرة يوميًا». وأضاف: «إن التكية تقدم في شهر رمضان المأكولات الدسمة من لحم ودجاج وشوربة وخبز؛ حيث يتم توزيع هذه الأطعمة على الفقراء والمساكين رجالاً ونساء وأطفالاً من سكان البلدة القديمة في الخليل ومن خارجها والذين يحضرون بأوعيتهم ويصطفون طوابير على مدخل مقر التكية ليأخذوا حصصهم، وتفتح التكية أبوابها طوال العام عدا يومي الفطر والأضحى».

وحول تغطية نفقات التكية؛ قال الشيخ الخطيب: «يتسابق المحسنون وخاصة في شهر رمضان لتقديم الدعم ولحجز يوم أو أكثر لتفطير الفقراء، وأحيانًا تكون الأيام محجوزة، فترصد أموال التبرعات في صندوق خاص في دائرة الأوقاف للوجبات القادمة، وفي حال نقص هذه التبرعات أو عدم كفايتها تقوم الأوقاف بتغطية هذا النقص». ورغم أن تكية سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام هي ملاذ للفقراء والمساكين والمحتاجين، إلا أنها في نفس الوقت معلم تراثي حضاري يتغنى به الأجداد والآباء وزوار المدينة عبر التاريخ؛ حيث تحدث عنها الرحالة والسائحون والزوار الذين قدموا إلى المدينة كالرحالة العربي ابن بطوطة والرحالة الفارسي ناصر خسرو وابن فضل العمري وغيرهم.