الاقتصادات العربية تمر بمنعطف خطير، يمكن تسميته مجازا، باقتصادات ما بعد الثورات الشعبية ، ولا نستثني في ذلك الدول التي تنعم باستقرار سياسي، مثل دول الخليج العربية، بافتراض أن دول المنطقة مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو لابد أن يتداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
السودان، حالة فريدة في منطقة تعج بمتغيرات متسارعة الخطى، فهو من جهة لا يملك مناعة الاقتصادات الخليجية، ولم يستجب لنداءات الثورات العربية، ربما لانشغاله باستفتاء انفصال الجنوب عن الشمال بدولة، وما تبع ذلك من تداعيات تتعلق بترتيب البيت الداخلي بعد خروج، الحركة الشعبية، الشريك الأوحد للمؤتمر الوطني في السلطة.
الرئيس السوداني عمر البشير، ناشد الدول الغربية، قبل يومين بسد فجوة فقدان عائدات النفط التي خسرتها بلاده إثر انفصال الجنوب وذهاب 75 % من إنتاج البترول للدولة الوليدة، وهذا الطلب يشبه إلى حد كبير قيام شخص بحفر حفرة والوقوع فيها، ومن ثم الصراخ طلبا للمساعدة، لأن الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية نيفاشا بخمس سنوات، يتقرر بعدها وضع الجنوب باستفتاء، كانت كافية لبلورة حلول تنموية تسد فجوة الانفصال، إلى جانب أخذ تعهدات من الدول الراعية للاتفاقية بمساعدة السودان اقتصاديا في حال حدوث الانفصال، بما في ذلك رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية فوريا، بدلا من تجديدها كما حدث في يوليو الماضي لعام إضافي.
السودان الآن رجع إلى المربع الأول، بعد مرور أكثر من عقدين على انقلاب «الإنقاذ» ألا وهو مربع الشعارات الفضفاضة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بدلا من وضع اليد مباشرة على موطن الداء، المتمثل في إنهاء الحكم الشمولي وتبني الديمقراطية سلميا، بدلا من أن تأتي عبر «الشارع» ونكون بذلك قد بدأنا من حيث انتهى الآخرون، بمعنى تجنب إراقة الدماء ودمار البنية التحتية، كما حدث في الدول التي تشهد ثورات.
الأرضية التي يقف عليها السودان الآن، هي أرضية اقتصاد ما بعد الانفصال، وتتطلب تحركا سريعا لإجراء إصلاحات سياسية، تضمن استخداما افضل للسلطة وللموارد الاقتصادية، من خلال تبني سياسات الحكم الرشيد ومنظوماته المتمثلة في آليات مكافحة الفساد، وضمان سيادة القانون، من هنا فقط يمكن للسودان أن يتجاوز عقبة انفصال الجنوب، ويولد من جديد، لإحياء حلم أن يصبح سلة غذاء العالم، وليس متطفلا على موائد الغير.
أبو بكر الحسن