الكهرباء في لبنان تختفي... بالسرقة

تاريخ النشر: 21 نوفمبر 2011 - 11:15 GMT
هناك مخاوف كثيرة من أن يطغى الهدر التقني وغير التقني، أو السرقة، على هذه الجهود لإنارة البلاد 24/24
هناك مخاوف كثيرة من أن يطغى الهدر التقني وغير التقني، أو السرقة، على هذه الجهود لإنارة البلاد 24/24

الكهرباء في لبنان تختفي... بالسرقة وجدوى المشاريع مرهونة بالقضاء على الهدر غير التقني.

وافق مجلس الوزراء أخيراً على طلب وزارة الطاقة والمياه استئجار بواخر لإنتاج الطاقة، بعد مسيرة طويلة شابتها العرقلة. قرارٌ يُعدّ خطوة أساسية للمضي قدماً في تطبيق خطّة هيكلة القطاع التي تطرحها الوزارة، لكن هناك مخاوف كثيرة من أن يطغى الهدر التقني وغير التقني، أو السرقة، على هذه الجهود لإنارة البلاد 24/24.

تأخّر كثيراً ملف استئجار بواخر لتوليد الكهرباء، لدرجة أنّ وزارة الطاقة حذّرت في طلبها الأخير إلى مجلس الوزراء لبتّ الموضوع، من أنّه «إذا اعترى الأمر مزيد من التأخير فلن يعود هناك جدية من قبل الدولة اللبنانية في الحصول على العروض، ولا من قبل الشركات في تقديمها»؛ أي إنّ ديناميات السياسة اللبنانية (غياب صدقيّتها!) ستطغى على الجدوى الاقتصادية لأي عقد من منظور مقدّمي الخدمات. لكن لحسن الحظ وافق المجلس على الطلب، الذي يتضمّن أيضاً تأليف لجنة برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزارة الطاقة والمياه، المال والبيئة، لدراسة العروض المقدّمة.

هذه الموافقة التي تُعدّ حبل الحياة لخطّة الكهرباء المطروحة، تأتي مع تشديد وزارة الطاقة على أنّ «تأهيل معملي الذوق والجية أصبح ضرورة ملحّة». فالطاقة التي تؤمّنها البواخر يُتوقّع أن تبلغ 300 ميغاواط، يُفترض أن تردم الهوّة التي ستنشأ من إيقاف هذين المعملين لصيانتهما، كما أنّها ضرورية تحوّطاً من عجز إضافي. مع العلم أنّ فترة التقنين تزداد بمعدّل ساعتين سنوياً، ما يُفجّر فعلاً قنبلة الكهرباء في صيف عام 2012 (حين يصل الطلب إلى ذورته) إذا لم تُتخَذ إجراءات سريعة. وتطرح خطّة الكهرباء تأمين الكهرباء 24/24 بحلول عام 2015، وبكلفة إجمالية تبلغ 4.8 مليارات دولار.

وقرار استئجار بواخر مهمّ جداً في إطارها، ويأتي بعدما كان المجلس النيابي قد أقرّ مشروع قانون لزيادة إنتاج الطاقة بواقع 700 ميغاواط، بكلفة 1.2 مليار دولار، مجزّأة على 3 سنوات. تعوّل الخطّة كثيراً على هذه المشاريع في المدى القصير لتأمين الأرضية المتينة، وصولاً إلى القضاء على عجز الكهرباء، الذي يقارب 35%.

ومن شأن هذه الخطوات أن تُمهّد لإطلاق المشاريع الأخرى لزيادة الإنتاج وصولاً إلى 4 آلاف ميغاواط بحلول عام 2014. لكن رغم أهمية زيادة الإنتاج والصيانة تبدو الأهمية أكبر على صعيد كبح الهدر الفنّي، وغير الفنّي (وهو التعبير اللطيف للسرقة)، وإلّا فسيكون الأمر بمثابة «إفراغ المياه في برميل تعتريه الثقوب!» يُعلّق الخبير في قطاع الطاقة منير يحيى، في إطار محاضرة ألقاها في ندوة شاملة عن القطاع بعنوان «الكهرباء في لبنان: أزمة اقتصادية واجتماعية»، نظّمتها «الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد». توضح الأرقام التي يُقدّمها أنّ نسبة الهدر من إنتاج الطاقة تصل إلى 40%؛ منها ما له طابع تقني فنّي (يُمكن تخفيفها، لكن من المستحيل إلغاؤها)، لكن القسم الأكبر من الهدر هو الخسارة المفقودة.

فعلى سبيل المثال: يُقال إنّ في بعض المناطق تبلغ نسبة الجباية (تحصيل الفواتير) 98%، لكن هل تحصر هذه الفواتير كلّ كمية الكهرباء المستهلكة؟ يؤكّد منير يحيى أنّ جميع المناطق اللبنانية متساوية لناحية الهدر في الفاتورة (السرقة) رغم تفاوت معدّلات الجباية بينها. «فهناك مناطق غنية جداً، حيث الجباية مرتفعة، لكن الجباية نسبةً إلى الكهرباء التي مرّت بالعدّاد لا تتجاوز 70%، أي إنّ 30% من الكهرباء لا نعرف من استهلكها: الكهرباء التي اختفت... بالسرقة».

وتبلغ الكلفة السنوية المترتبة عن هذه السرقة 300 مليون دولار. يورد منير يحيى مثالاً على هذا الوضع وهو تجربة لمطعم شهير للاصطياف في عاليه كان يسدّد فاتورته بانتظام، إلا أنّ معدّل فاتورته كان يقارب 60 ألف ليرة شهرياً؛ وعندما فُضح أمره وصُحّح عمل العداد أضحت فاتورته 1.2 مليون ليرة، أي إنّه كان يسرق كهرباء بما قيمته 1.16 مليون ليرة. هذا الخلل الذي يؤدّي إلى خسارة/ سرقة تبلغ 2.5 سنت مع إنتاج وتوزيع كلّ كيلوواط ساعة، ناتج من عدم وجود قياس دقيق لكافة مراحل الإنتاج والنقل والاستهلاك.

والحلّ في رأي منير يحيى يكون بإنشاء الشبكات الذكية القائمة على التكنولوجيا الحديثة، إذ إن «هذه الشبكات تؤمّن المعلومات على كافّة المراحل، لنعرف كيف تتدفّق الطاقة، ومن يستهلكها، كما تؤمّن التلازم بين الإنتاج والطلب، القراءة الدقيقة، كشف التعديات، تحسين الإيرادات، مراقبة الفواتير، إدارة الحمولة، وصولاً إلى صياغة تعرفة مرنة مع المستهلك». وفي الواقع، ترصد خطّة الكهرباء معالجة هذه المشكلة، فهي تطرح إنشاء مراكز التحكّم والقياس وإدارة النظم على نحو متواز مع زيادة الإنتاج، لذا فإنّ التركيز عليها أساسي في المرحلة المقبلة؛ وهو ما يُشير إليه منير يحيى.

ووفقاً للتقرير نصف السنوي عن الخطّة يُفترض أن يجري الانتهاء من إنشاء مركز التحكّم في نهاية الشهر الجاري، كما أنّ المشاريع الأخرى على صعيد التلزيم في التوزيع، يبدأ العمل بها في هذا الفصل. وخارج القاعدة الرقمية للكهرباء يستحيل القيام بتغيير فعلي: استثمار سليم وخدمة جيّدة وخفض في التعرفة، ويستحيل التدقيق في كلفة الكيلوواط ساعة. «إذا بنيت المعامل من دون معالجة السرقة، نبقى مكاننا: فمثلاً، مشروع الـ700 ميغاواط سيُسرق 30% من إنتاجه بغياب شبكات التحكّم»، يتابع منير يحيى.

وإذا لم تُعتمد هذه الأسس والمقاييس، يقول هذا الخبير، وهو للمناسبة يعمل لدى هيئة الكهرباء والمياه في أبو ظبي، فإنّ مشكلة الكهرباء يُمكن أن تؤدّي من دون معالجة إلى «انهيار اقتصادي شامل». وللإيضاح، تراوح كلفة إنشاء شبكات التحكّم الذكية بين 5% و10% من إجمالي أي استثمار في إنتاج الكهرباء، بحسب منير يحيى نفسه، وهي كلفة ضئيلة مقارنة بالوفورات والإدارة الذكية التي تؤمنها.