مؤسسة قطر تسخّر أحدث التقنيات لدعم جهود الإغاثة في النيبال

تتواصل أعمال الإغاثة الدولية لدولة النيبال، إثر الزلزالين القويين اللذين ضربا البلاد في أواخر شهر أبريل ومنتصف مايو 2015، وأسفرا عن مقتل أكثر من 8600 شخص، وفقدان آخرين، فضلاً عن أضرار مادية جسيمة. وقد ساهمت دولة قطر بشكل فاعل ومؤثر في هذا المجال، بعدما أقامت جسراً جوياً إنسانياً لنقل المساعدات لمتضرري الزلزالين، بما يشمل مئات الأطنان من المواد الغذائية والطبية الأساسية.
ودعمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع جهود الدولة في أعمال الإغاثة، من خلال برنامج خاص طوّره معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لمؤسسة قطر، وعمل من خلاله على تحليل بيانات مواقع التواصل الإجتماعي للإفادة منها في الاستجابة للكوارث الطبيعية.
تم ذلك من خلال برنامج "الذكاء الصنعي في مجال الاستجابة للأزمات" الذي طوّره المعهد بالتعاون مع وكالة "Standby Task Force" الإغاثية ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. إذ يستخدم البرنامج كلمات مفتاحية، لتحديد وفرز وتصنيف المعلومات الموجودة في رسائل وتغريدات وسائط الإعلام الاجتماعي، والواردة في الساعات والأيام التي تلي وقوع كارثة طبيعية. بعدها، عملت فرق من المتطوعين المؤهلين في مختلف أرجاء العالم على تحليل هذه البيانات من خلال منصة خاصة تم تطويرها، هي منصة "تطبيقات مهام صغرية للاستجابة للأزمات"، وتم من خلالها فرز محتوى التغريدات وفق فئات معينة، ومن ثم مشاركتها مع هيئات الإغاثة الناشطة في موقع الحدث.
وفي النيبال، عمل مشرفو البرنامج على تحليل أكثر من 300000 تغريدة تم نشرها على موقع "تويتر" بعد الزلزال الأول. وقام المتطوعون، الذين بلغ عددهم نحو 2800 شخص، بفرز هذه التغريدات إلى فئات محددة على نسق "طلب المساعدة" أو "عدد الضحايا" أو "تقديم المساعدة" وغيرها. ومن ثم، وضع الأخصائيون خارطة تفاعلية تحدد سلم أولويات الإغاثة، وإرسالها إلى وكالات الغوث المختلفة، للعمل بموجبها.
ويقول الدكتور أحمد المقرمد، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث الحوسبة: "لقد تسبب الزلزالان اللذان أصابا النيبال بدمار كبير وأضرار فادحة، وقلوبنا تتفطر ألماً للمعاناة الإنسانية التي تسببا بها. ومن هنا، يسعدنا أن تستفيد عمليات الإغاثة من تقنيات الحوسبة الحديثة التي يطورها المعهد. فنحن نؤمن بأن التكنولوجيا تلعب دوراً حيوياً في إنقاذ حياة الكثيرين عقب الكوارث الطبيعية، وهذا ما يدعونا لمتابعة جهودنا في تطوير برامج مماثلة في المستقبل، وإيجاد حلول ابتكارية يمكنها إحداث فارق إيجابي".
وتعتبر عمليات الإغاثة مهمة صعبة ودقيقة تتطلب توفير كم هائل من المعلومات لإسعاف المصابين، وتحديد الأضرار، وتقدير حجم المساعدات الإنسانية المطلوبة. وتلعب وسائل الإعلام الاجتماعي دوراً هاماً في هذا المجال، كونها تساعد بشكل كبير في إرشاد المسعفين، وتوجيههم إلى الأماكن الأكثر تضرراً، مما يساهم بإنقاذ حياة العديد من الأشخاص. ففي عصر الهواتف الذكية، يمكن بسهولة لأي كان إرسال كمية كبيرة من المعلومات بكبسة زر، كما يمكن لتغريدة على موقع "تويتر" أو "الفيسبوك" أن توفر معلومات حيوية حول المناطق المتضررة، وعدد الضحايا، والمساعدات المطلوبة. ومن هنا انبثقت فكرة أهمية فلترة التغريدات وفرزها، لاستخلاص المعلومات الضرورية، وتحديد الأولويات، وتوجيه جهود الإغاثة بشكل صحيح وفعال.
وقد اعتمدت فرق الإغاثة التابعة للأمم المتحدة البرنامج الذي طوّرته مؤسسة قطر في حالات عديدة، منذ إطلاقه عام 2013، إذ لعب هذا البرنامج دوراً كبيراً في إنقاذ حياة متضرري إعصار "بام" الذي حلّ بجزر فانواتو في مارس 2015، وإعصار "هاجوبيت" الذي فتك بالفيلبين في ديسمبر 2014، والزلزال الذي أصاب باكستان عام 2013، فضلاً عن إعصار "هايان" المدمّر الذي لحق بالفيلبين أيضاً في نوفمبر 2013.
واستناداً إلى الدكتور باتريك ماير، كبير الباحثين في الحوسبة الاجتماعية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة، فإن نجاح البرنامج الباهر في الحالات المذكورة دفع الأمم المتحدة لتفعيله فوراً إثر زلزال النيبال الأول. ويقول: "خلال 24 ساعة فقط من حدوث زلزال النيبال الأول، تلقينا طلباً من الأمم المتحدة لتفعيل البرنامج، والبدء بجمع التغريدات الواردة. وقد سمح لنا هذا التفعيل المبكر برسم خرائط دقيقة للمناطق الأكثر تضرراً، وإرسالها إلى وكالات الإغاثة المختلفة، قبيل وصولها إلى النيبال. وبالطبع، فقد أعطى ذلك فكرة ممتازة عن حجم الأضرار والاحتياجات لفرق الإغاثة حتى قبل أن تحط في العاصمة النيبالية كاتماندو".
وتشير الدلائل الأولية إلى أن تفعيل البرنامج ساهم في إنقاذ حياة الكثير من متضرري الزلزال. فعلى سبيل المثال، عثر المتطوعون، أثناء فرز وتصنيف التغريدات، على تغريدة كتبها دكتور نيبالي في أحد المستشفيات، تشكو من ندرة المستلزمات الطبية، فما كان من المتطوعين سوى إرسالها بسرعة إلى وكالات الإغاثة، التي قامت بدورها بتوجيه شحنة مساعدات طبية ملائمة إلى المستشفى المعني.
وحول النجاحات التي حققها هذا البرنامج، يعلّق الدكتور جايديب سريفاستافا، مدير البحوث في قسم الحوسبة الاجتماعية والابتكار الاجتماعي بالمعهد، قائلاً: "يفخر معهد قطر لبحوث الحوسبة بتصميم وتطوير تقنيات حديثة تساهم في إحداث فارق ايجابي مؤثر في قطر وحول العالم، وذلك في سياق دعمنا المستمر لرؤية قطر الوطنية 2030. وفي حالة الزلزالين اللذين أصابا النيبال، فقد تكللت مساعينا بالنجاح، نتيجة تضافر جهود الشبكة الواسعة التي بنيناها، والتفاعل الإيجابي مع شركائنا في وكالات الإغاثة، وكذلك العمل الدؤوب الذي قام به مهندسو البرمجيات لدينا للتأكد من حُسن سير البرنامج أثناء الأزمة".
ورغم فاعليته، يواجه البرنامج تحدياً خاصاً، تتمثل في صدقية المعلومات الواردة في وسائط الإعلام الاجتماعي. ففي حالات كثيرة، تسببت وسائط التواصل الإجتماعي بنشر معلومات مغلوطة، كما حصل عقب إعصار "ساندي" عام 2012، حيث انتشرت في مواقع التواصل الإجتماعي صوراً لأسماك القرش وهي تسبح في إحدى محطات المترو في ولاية نيوجيرزي. وتم تداول هذه الصورة على نطاق واسع، حيث قام صحافيون مشهورون ووكالات إخبارية بتبادلها، قبل أن يتبين فداحة هذا الخطأ.
لذلك، وللتأكد من صدقية التغريدات والمعلومات الواردة، قام معهد قطر لبحوث الحوسبة بالتعاون مع مختبر الذكاء الصنعي والحوسبة الاجتماعية في معهد "مصدر"، وجامعة ساوثمبتون البريطانية لتطوير برنامج "التحقق الجمعي في مجال الاستجابة للأزمات" أو Verily. وبموجب هذا البرنامج، يعمل المتطوعون على تقييم صحة المعلومات الواردة في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد حصولهم على تدريبات خاصة تؤهلهم لإجراء تقييم سريع للمعلومات الواردة، وتصنيف التغريدات إن كانت صحيحة أو خاطئة. ويؤدي هذا البرنامج دوراً أساسياً في الاستجابة الفاعلة للكوارث الطبيعية، على غرار زلزالي النيبال، والتي تتطلب توفر معلومات دقيقة وصحيحة.
وتشرح السيدة هيذر ليسون، مدير البرامج في الحوسبة الاجتماعية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة أهمية ذلك بالقول: "يهتم المتطوعون العاملون في "تطبيقات مهام صغرية للاستجابة للأزمات" MicroMappers بجمع وفرز التغريدات، فيما يصوّب القائمون على برنامج Verily جهودهم نحو التأكد من صحة هذه التغريدات، قبل إرسالها لفرق الإغاثة. ويتم ذلك من خلال تقييم كل تغريدة أو صورة، والتحقق من صدقيتها، ومن ثم تصنيفها كصحيحة أو خاطئة، مع وضع الشروحات اللازمة. ولدينا العديد من الأمثلة السابقة حول استخدام معلومات خاطئة على الإنترنت من قبل فرق الإغاثة، مما أدى إلى نتائج كارثية. فلا شك بأن صدقية المعلومات هي أولوية قصوى، وقد بات برنامج Verily معروفاً كإحدى أهم الأدوات للتأكد من ذلك".
وقد بات جمع وتقييم التغريدات الواردة على تويتر جزءاً من مهمات المنصتين، حيث طُلب منهما مؤخراً فرز وتحليل وتصنيف كمية كبيرة من المعلومات الواردة في الصحف والتلفزيون، وموقع يوتيوب، وحتى المقاطع الذي تصوّرها الطائرات من دون طيار. فمنذ الزلزال الأول الذي ضرب النيبال، قامت طائرات من دون طيار بآلاف الطلعات فوق المناطق المنكوبة، بهدف جمع المعلومات المرئية وتحديد حجم الأضرار. وقد جاءت هذه الطائرات من شتى أنحاء العالم، حيث قامت الهند، عل سبيل المثال، بمئات الطلعات لدعم هذه الدولة الجارة، فيما شاركت في هذه الطلعات أيضاً كلّ من كندا، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والمكسيك وغيرها من الدول.
وتحمل الطائرات دون طيار الأكثر حداثة كاميرات حرارية للمساعدة في إيجاد الناجين، وذلك من خلال التقاط حرارة أجسامهم، بالإضافة إلى كاميرات أخرى بالغة الدقة، يمكنها تحديد الوجوه على بعد نحو 10000 قدم.
وتعمل هذه الفرق المختلفة تحت إشراف "الشبكة الإنسانية للطائرات دون طيار"، والمعروفة باسم “UAViators”. وباتت البرامج الريادية، التي أطلقها معهد قطر لبحوث الحوسبة، تقع في صلب الجهود المبذولة للمساعدة في حالات الكوارث، حيث تسمح لمشغلي الطائرات دون طيار باستخدام مهاراتهم التقنية العالية في عمليات الإغاثة.
فمنذ زلزال النيبال الأول، تعاون "الشبكة الإنسانية للطائرات من دون طيار" مع القائمين على برنامج Verily، ما سمح للمتطوعين بمراجعة المحتويات، وتحديد حجم الأضرار اللاحقة بالمباني والمنشآت، وتوفيرها لوكالات الإغاثة. وتصب جميع هذه الجهود، التي تبذلها مؤسسة قطر عن طريق معهد قطر لبحوث الحوسبة، في العمل لتوفير كافة المعلومات الممكنة لدعم جهود الإغاثة وتوفير صورة شاملة عن الوضع على الأرض، وتسهيل عمل المسعفين، وإنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من الناس.
خلفية عامة
مؤسسة قطر
تأسست مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع سنة 1995 بمبادرةٍ كريمةٍ من صاحب السموّ الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر بهدف تنمية العنصر البشري واستثمار إمكاناته وطاقاته.
توجّه مؤسسة قطر اهتماماتها إلى ثلاثة مجالات هي التعليم والبحث العلمي وتنمية المجتمع، كونها ميادين أساسية لبناء مجتمع يتسم بالنمو والإستدامة، وقادر على تقاسم المعارف وابتكارها من أجل رفع مستوى الحياة للجميع. تُعد المدينة التعليمية أبرز منجزات مؤسسة قطر وتقع في إحدى ضواحي مدينة الدوحة، وتضمّ معظم مراكز المؤسسة وشركائها.