لا أعرف ما هو عدد الأشخاص الذين كانوا سيشاهدون الفيلم المسيء للرسول عليه الصلاة والسلام، وما هي نسبة الذين سيتخذون موقفا سلبيا من الإسلام نتيجة هذا الفيلم، ولكن من المؤكد أنه بعد المشاهد المروعة للهجوم على السفارة الأميركية في ينغازي وسحل جثث الدبلوماسيين الأميركيين من قبل الجمهور الغاضب دفاعا عن الإسلام، فإن صورة الدين الإسلامي في العالم سوف تكون أكثر سلبية مما قد ينتج عن ألف فيلم سينمائي! الفيلم الذي تم إنتاجه بدعم من عدد قليل جدا من أقباط المهجر المتعصبين في الولايات المتحدة، وقام بإخراجه مخرج سينمائي إسرائيلي لا يقوم فقط بممارسة إساءة تصوير الرسول عليه الصلاة والسلام -وهو أمر محرم في الإسلام- ولكنه يقدم الدين الإسلامي بوصفه داعيا للعنف.
وبكل المفارقات المحزنة في العالم فإن الهجوم على السفارتين الأميركيتين في القاهرة وبنغازي ساهم في تعزيز هذا التصور بشكل أكبر من كل ما كان الفيلم سيحققه خاصة أن الهجوم استهدف اشخاصا ورموزا سياسية ودبلوماسية ليست لها علاقة ابدا لا بإنتاج ولا تصويره ولا تسويقه. السفير الأميركي الذي وقع ضحية الهجوم الأعمى لا يستحق ابدا هذا المصير البشع فهو كان من أهم السياسيين الذين دعموا الثورة الليبية ضد القذافي وكانت له علاقات ممتازة مع الثوار وكل هذا الرصيد لم يشفع له في مواجهة غضب أعمى غير منظم وبدائي التعبير فجاء حتفه على يد نفس الأشخاص الذين ساهم في تحريرهم من نظام القذافي.
هذا الهجوم لن يمر بدون عواقب سياسية وخيمة على ليبيا والمنطقة، خاصة أنه ساهم في تقديم هديتين كبيرتين لشخصين في أزمة شديدة هما ميت رومني المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية وبشار الأسد رئيس النظام السوري. ميت رومني كان ينظر إليه بأنه “ميت سياسيا” وبأن دوره في الانتخابات الأميركية هو مجرد لعب دور المنافس الروتيني للرئيس أوباما. ولكن الحزب الجمهوري الأميركي والمحافظين الجدد يعتاشون على هاجس الأمن والتخويف من “الإرهاب الإسلامي” ومنذ الأمس بدأت الماكينة الإعلامية للجمهوريين بالترويج لنظرية “مسؤولية أوباما” عن مقتل السفير لأنه دعم تغيير النظام الليبي ومنح الثورات العربية، بطابعها الواضح من سيطرة الإسلاميين دعما أميركيا جعلها تنجح.
وبهذا فإن حقيقة الوضع في المنطقة برأي الجمهوريين أن أوباما دعم “ربيعا إسلاميا” سوف ينقض على الولايات المتحدة بعد أن يسيطر على القرار في المنطقة. نفس هذا المنطق يشكل هدية لبشار الأسد وأعوان النظام السوري في التخويف من مرحلة ما بعد النظام وصعود الإسلاميين إلى السلطة في سوريا وأن ذلك سوف يهدد المصالح الأميركية ويؤدي إلى المزيد من العنف في المنطقة. وليس من المستبعد ابدا قيام تحالف سري وغير مقدس بين أنصار النظام السوري والحزب الجمهوري والمحافظين الجدد لإجهاض الثورة السورية والإبقاء على النظام الذي لم يطلق رصاصة على إسرائيل بينما دمر المدن والقرى السورية على رؤوس قاطنيها وقتل 20 ألفا من مواطنيه، وكل ذلك نتيجة المصلحة المشتركة في عدم تسليم السلطة للإسلاميين.
بعيدا عن الحسابات السياسية الباردة عكس الهجومان سلوكا سيئا من الغضب الأعمى والذي وصل إلى مرحلة الهمجية الحقيقية في قتل الدبلوماسيين الأميركيين وسحل الجثث في مشهد شوه سمعة الإسلام أكثر من كل ما كان يهدف إليه الفيلم المشؤوم. مرة أخرى نحن نطلق النار على أنفسنا.