أكد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أن المنظمة ستواصل العمل على تعزيز الاستقرار في سوق النفط الآخذة في التعافي بعد انهيار الأسعار، الذي وقع في منتصف عام 2014، بنسبة فاقت 80 في المائة.
ورأى باركيندو في تقرير عن مشاركته في الرياض في الدورة السابعة لاجتماعات منتدى الطاقة الدولي ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك التي ركزت على توقعات سوق الطاقة، أن تراجع الأسعار في السنوات الماضية أدى إلى اضطراب وصدمة واسعة في السوق في جميع أنحاء صناعة النفط والغاز بل وفي الاقتصاد العالمي بشكل عام، ما أدى إلى فقد آلاف من فرص العمل وخفض الميزانيات، وألغيت مشاريع أو تم تأجيلها ثم تم تجميد الاستثمارات أو وقفها وذهبت بعض الشركات إلى الإفلاس.
وأوضح باكيندو أن الإنفاق العالمي على التنقيب والإنتاج تراجع بنسبة نحو 26 في المائة في عام 2015، وانخفض بنسبة إضافية 22 في المائة في عام 2016، مشيرا إلى أن خسائر الاستثمارات بلغت أكثر من 300 مليار دولار خلال ثلاث سنوات، معتبرا عملية استمرار انكماش الاستثمارات في صناعة النفط لم يسبق لها مثيل من قبل.
وأشار باركيندو إلى أن هناك سيناريو مقلقا يواجه الصناعة، فهناك حاجة إلى استثمارات جديدة متعلقة بالنفط تبلغ عشرة تريليونات دولار حتى عام 2040 من أجل تلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة في المستقبل، مشيرا إلى أن سوق النفط اليوم تواجه صعوبة في تلبية هذا المستوى من الاستثمار.
وبحسب باركيندو فإن جميع العوامل السابقة أجبرت "أوبك" على سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط السوق بعدما أدرك الجميع أن عدم العمل على مواجهة المخاطر ينذر بعواقب أكثر خطورة.
وأضاف أن "هذا كان وضع السوق عندما تولى منصب الأمين العام في آب (أغسطس) الماضي، ولذلك قررت "أوبك" البدء في سلسلة من المشاورات مع الدول الأعضاء لدينا للتوصل إلى حل لهذا الوضع الصعب".
وألمح باركيندو إلى أن المشاورات كانت مكثفة ومكوكية وبلغت ذروتها في أيلول (سبتمبر) 2016، عندما تم اعتماد اتفاق الجزائر في الاجتماع الوزراي الاستثنائي لمنظمة أوبك رقم 170 وكان جوهر اتفاق الجزائر هو الاتفاق على وجود حاجة ماسة لتسريع الانسحاب من الزيادة في المخزونات من أجل الإسراع في عملية إعادة التوازن في السوق وإعادة مستويات الاستثمار المطلوبة في هذه الصناعة.
وأشار باركيندو إلى توصل المنظمة إلى خفض إنتاج دول المنظمة بنحو 1.2 مليون برميل يوميا خلال الاجتماع الوزاري العادي في فيينا في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) ثم أعقبه الإعلان المشترك مع الدول من خارج "أوبك" الذي تم التوصل فيه إلى الاتفاق المشترك لخفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا وبدأت تنفيذه أول الشهر الماضي لمدة ستة أشهر.
وقال باركيندو "إن الاجتماع الأول للجنة الوزارية الخماسية لمراقبة خفض الإنتاج شهد نجاحا والتزاما واسعا وأحدث انعكاسات إيجابية على مستوى أسعار النفط فقد تم الاتفاق على كافة آليات عملية المتابعة".
وأشار باركيندو إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة للنفط الخام بشكل حاد إلى أعلى مستوياتها في 18 شهرا ووصلت رهانات مديري الأعمال إلى تسجيل الأسعار مستويات قياسية جديدة إلى جانب توقعات تحقيق مكاسب مستمرة في الأسعار، وإضافة إلى ذلك شهدنا ارتفاع الناتج الاقتصادي وتحسنا في أسواق العمل على الرغم من زيادة التضخم في بعض الاقتصادات المتقدمة الرئيسية.
وأضاف باركيندو أن "هذه البشائر الجيدة لهذه الصناعة تعطينا تأكيدا أننا نسير في الاتجاه الصحيح نحو تحقيق هدفنا المشترك المتمثل في استعادة استقرار السوق وإحياء كثير من الاستثمارات المطلوبة".
وأكد أمين المنظمة تقديره العميق للسعودية التي تتولى هذا العام رئاسة مؤتمر "أوبك"، مشيرا إلى أن المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية قاد بنجاح كبير جهود المنظمة في الأشهر الماضية التي أسفرت عن اتفاق خفض الإنتاج لدعم التوازن السوقي.
مشيرا إلى أن الفالح يتميز بالمعرفة والخبرة الواسعة في هذه الصناعة كما يتسم بالحكمة في أسلوبه الجديد تجاه مسؤوليات "أوبك".
إلى ذلك، أوضح لـ "الاقتصادية"، أمبرجيو فاسولي مدير مركز درسات الطاقة في مدينة لوزان السويسرية، أن صناعة النفط الخام تواجه تحديات كبيرة في السنوات المقبلة ومنها ضرورة زيادة الإنتاج لتلبية الاحتياجات المتنامية لدول الاستهلاك خاصة في الاقتصاديات الصاعدة في وسط آسيا، وفي نفس الوقت الالتزام بالضغوط الدولية لخفض الكربون والتحول إلى الطاقة النظيفة، مشيرا إلى أن اجتماعات مجموعة العشرين المرتقبة ستركز أيضا على إنهاء كل أشكال الدعم للوقود الأحفوري بحلول 2020.
وأضاف فاسولي أن "مصادر الطاقة النظيفة رغم نموها السريع لكنها ليست قادرة وحدها على تلبية احتياجات الطلب خاصة في الدول ذات النمو السكاني المرتفع، كما أن السياسات الجديدة للإدارة الأمريكية تصب في مصلحة زيادة الاستثمار في الوقود الأحفوري وتقليل الالتزام بمكافحة تغير المناخ، وذلك على عكس التوجهات الأوروبية المتسارعة في هذا المجال".
من ناحيته، يقول لـ "الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، "إن الاتصالات الجيدة التي تقوم بها "أوبك" سواء على مستوى المنتجين أو التنسيق بين المنتجين والمستهلكين والتعاون أيضا مع وكالة الطاقة وكل المنظمات الدولية المعنية بصناعة النفط الخام ستكون لها تأثيرات إيجابية واسعة في السوق في المرحلة المقبلة، حيث نتوقع تعافى الأسعار وانتعاش الاستثمار على نحو جيد".
ويرى شيميل أن خفض الإنتاج دخل في علاقة تجاذبية مع زيادة الإنتاج الأمريكي وأدت إلى حدوث تقلبات سعرية متتالية لكنها على الأرجح مرحلة مؤقتة، وأن خطط "أوبك" والمستقلين في استعادة الاستقرار والتوازن في السوق ستكلل بالنجاح وسيتضح ذلك جليا مع قرب انتهاء مدة الاتفاقية وبالتحديد في بداية النصف الثاني من العام الجاري.
من جانبها، توضح لـ "الاقتصادية"، ماريا جاساروفا المحللة الروسية، أن موسكو واثقة بأن برامج التعاون بين دول "أوبك" والمنتجين المستقلين ستثمر عن نتائج جيدة ومبهرة في السوق على المديين القصير والمتوسط"، مشيرة إلى توقعات مسؤولين روس بتسجيل أسعار النفط مستوى يقارب 60 دولارا للبرميل خلال العام الجاري.
وذكر جاساروفا أن الإنتاج الروسي بلغ بالفعل مستويات قياسية في العام الماضي، حيث زادت الإنتاج بنحو 3.6 في المائة مقارنة بالعام السابق وإنتاج الغاز 7.3 في المائة خلال نفس الفترة و3.5 في المائة زيادة في أنشطة التكرير، مشيرة إلى أن موسكو أرتأت ضرورة التعاون مع المنتجين الآخرين بتهدئة السباق الانتاجي ودعم التوازن بين العرض والطلب لنمو الأسعار وتحسين العائدات وزيادة كفاءة الموازنات العامة.
من ناحية أخرى فيما يخص الأسعار، فقد واصلت أسعار النفط نزولها دون 56 دولارا للبرميل أمس بعدما أظهر تقرير زيادة كبيرة في مخزونات الخام الأمريكية بما يشير إلى وفرة المعروض رغم المستوى القياسي لالتزام "أوبك" باتفاق خفض الإنتاج.
وبحسب "رويترز"، فقد تراجع خام القياس العالمي مزيج برنت 34 سنتا إلى 55.63 دولار للبرميل، وهو نصف سعره في منتصف 2014 حينبدأت تخمة المعروض العالمي في الهبوط بالأسعار، وانخفض الخام الأمريكي 39 سنتا إلى 52.81 دولار للبرميل.
وتعكف منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وبعض المنتجين المستقلين من بينهم روسيا على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا في النصف الأول من 2017 بهدف دعم الأسعار.
ورغم البداية القوية لـ "أوبك" في تنفيذ اتفاق الخفض كبحت المخزونات الأمريكية وانتعاش إنتاج النفط في الولايات المتحدة ارتفاع الأسعار، وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية وبيانات جمعتها "أوبك" إلى أن التزام المنظمة بتخفيضات الإنتاج المتفق عليها بلغ مستوى قياسيا يزيد على 90 في المائة.
وقال معهد البترول الأمريكي "إن المخزونات ارتفعت أكثر من المتوقع الأسبوع الماضي في حين زادت مخزونات البنزين ونواتج التقطير على عكس المتوقع".
ونمت مخزونات الخام 9.9 مليون برميل على مدى الأسبوع المنتهي في العاشر من شباط (فبراير) إلى 513.5 مليون برميل، بينما توقع المحللون ارتفاعها 3.5 مليون برميل.
وأشار معهد البترول إلى أن مخزونات الخام في نقطة التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما تراجعت 1.3 مليون برميل، وأظهرت الأرقام تراجع استهلاك الخام في مصافي التكرير 492 ألف برميل يوميا، وزادت مخزونات البنزين 717 ألف برميل في حين توقع المحللون في استطلاع تراجعها 752 ألف برميل.
وارتفعت مخزونات نواتج التقطير التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 1.5 مليون برميل مقارنة بتوقعات بانخفاضها 696 ألف برميل، وانخفضت واردات الولايات المتحدة من الخام 319 ألف برميل يوميا الأسبوع الماضي إلى 8.9 مليون برميل يوميا.
ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على إلغاء إجراء تنظيمي يجبر خصوصا الشركات النفطية والمنجمية الأمريكية على الكشف عن المبالغ التي تدفعها إلى الحكومات الأجنبية لمنع الرشا والفساد.
ويقول مناهضو هذا الإجراء التنظيمي الذي اعتمدته شرطة البورصة في حزيران (يونيو) 2016 "إنه يحد من قدرة الشركات الأميركية على منافسة نظيراتها الصينية أو الروسية".
وقدرت لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب التي صوتت قبل أسبوعين على إلغاء هذا الإجراء قيمة الأرباح الفائتة بسبب هذا التشريع بـ 600 مليون دولار.
ووعد ترمب بإلغاء هذا الإجراء التنظيمي بمعية الأكثرية الجمهورية في الكونجرس، ورحب قطاع النفط بإلغاء هذا الإجراء، معتبرا إياه "خطوة إلى الأمام"، بينما أعرب ائتلاف منظمات تكافح الفساد عن أسفه لفقدان أداة "تتيح لنا متابعة مليارات من الدولارات تستخدم في الفساد والتهرب الضريبي في الدول النامية".
اقرأ أيضًا:
تحرك «أوبك» لاحتواء الخلافات يرفع النفط 4 % في يوم
أوبك: استثمارات نفطية بـ 300 مليار دولار قد نخسرها!
النفط ينتعش من جديد بعد تصريحات أوبك
مع انضمام روسيا إلى "أوبك" في خفض الإنتاج... أسعار النفط تستقر.. لكن إلى متى؟