خسائر الاقتصاد الفلسطيني تقدر بـ 5٫6 مليار دولار سنوياً

تاريخ النشر: 25 أكتوبر 2012 - 11:04 GMT
يظل الاقتصاد الفلسطيني غير قادر على الاستفادة من طاقاته الكامنة بسبب الاحتلال، حيث يخسر حوالي 5,6 مليار دولار سنويا
يظل الاقتصاد الفلسطيني غير قادر على الاستفادة من طاقاته الكامنة بسبب الاحتلال، حيث يخسر حوالي 5,6 مليار دولار سنويا

تشاؤم يلف الأراضي الفلسطينية بسبب الأزمة المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية يخلق معه حالة من عدم اليقين تجاه قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها المالية في ظل تفاقم هذه الأزمة، حيث بدأ الجميع يستشعرها بصورة شهرية مع كل استحقاق لصرف رواتب موظفي القطاع العام.

وتعصف هذه الأزمة بكل مقومات الاقتصاد الفلسطيني الذي يشهد تراجعا في النمو على مدار العامين الماضيين، ولا يتوقع تجاوز نسبة النمو 5% بينما سجل العام 2010 نسب نمو وصلت إلى 9,2 % و6,2 % العام الماضي. الأزمة المالية ليست وليدة اليوم، لكن تراكمها منذ عامين يهدد بشل عجلة الحياة في الأراضي الفلسطينية بسبب موجات الاضراب التي تقودها نقابات الموظفين والجامعات والمعلمين والمهن الصحية ونقابات النقل العام احتجاجا على غلاء الأسعار وعدم التزام الحكومة بصرف الرواتب كاملة في موعدها.

وتعود هذه الأزمة في جذورها لامتناع عدد من المانحين عن الوفاء بالتزاماتهم، وذلك للضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى المسار التفاوضي ومنعها من التوجه للحصول على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي خلق عجزا متراكما في موازنتها على مدار عامين. ويظل الاقتصاد الفلسطيني غير قادر على الاستفادة من طاقاته الكامنة بسبب الاحتلال، حيث يخسر حوالي 5,6 مليار دولار سنويا، حسب معهد الأبحاث التطبيقية في القدس «أريج»، جراء إجراءات الاحتلال المعيقة للتنمية الاقتصادية، ودون أموال المانحين لن تتمكن السلطة من القيام بالتزاماتها تجاه شعبها، وهذه الالتزامات هي جزء من مسؤولية الاحتلال حسب القانون الدولي، وأموال المانحين هذه للتعويض على السلطة مقابل هذه الالتزامات وأهمها التعليم والصحة.

رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض عبر عن موقف الحكومة من الأزمة، مؤكدا ان الحصول على أقصى ما يمكن من مساعدات إضافية يعتبر مكونا أساسيا من مكونات الخروج من الأزمة فالسلطة منذ نشأتها مرت بأزمات، حيث إن السلطة والأزمة تعبيران مقترنان مترابطان مع بعضهما منذ نشأة وقيام السلطة الوطنية، وإن هذه الأزمة تفاوتت من حين لآخر. وقال فياض في تصريحات صحافية بمناسبات عدة «لقد دخلنا في الأزمة منذ عامين وكنا دوما نتحدث عنها، وسبب هذه الأزمة الرئيسي إن لم يكن الوحيد بالإضافة للاحتلال، هو شح المساعدات الخارجية والنقص الحاد في وفاء المانحين بالتزاماتهم، الأمر الذي اتصل لأكثر من عام، وصولا لواقع واجهتنا فيه صدمة خارجية نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا، وبما لم يمكن السلطة من التعامل بهامش بما يكفي للتدخل في هذه الأزمة».

وأوضح فياض أن مديونية السلطة الفلسطينية زادت خلال العامين الماضيين، معتقدا أنها لم تصل إلى الحد الذي لا يمكن أن تزيد فيه أكثر، وأن الدول وهيئات الإقراض التي تقدم المساعدات تقدمها على شكل قروض طويلة، وتسجلها كديون وقروض رغم أنها تقدم كمنحة في أصلها. وبين أن نسبة المديونية وصلت إلى 37% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مقبولة بالقياس إلى نسبة المديونية لدى بعض الدول، ومنها الدول الأوروبية، حيث تصل مديونيتها إلى 60 % من الناتج المحلي. وأكد «أن التنمية المستدامة في ظل الاحتلال غير ممكنة، وهذا محل إجماع، ومع التأكيد على ضرورة بذل كل جهد ممكن لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، والسؤال الملح الآن هو: ما الذي يمكن عمله للتخفيف من حدة الأزمة، وبما يوفر عناصر الصمود للشعب الفلسطيني وقدرته على مواجهة الاحتلال؟. وأشار فياض إلى محدودية أدوات التدخل الحكومية للتخفيف من الأزمة، لأن أدوات التدخل لدى الدول والحكومات تنحصر في أداتين رئيسيتين: السياسة النقدية والسياسة المالية، وتغيب السياسة النقدية كأداة للتدخل لعدم وجود عملة فلسطينية، معتبراً أن الأداة الأساسية للتدخل تتمثل بالسياسات المالية.

وتصل فاتورة الرواتب الشهرية كما قال وزير المالية نبيل قسيس لوكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية «وفا» حوالي 780 مليون شيقل -الدولار يساوي 3,8 شيقل- بين رواتب وأشباه رواتب، يصل منها حوالي 550 مليون شيقل من ضريبة المقاصة والضرائب المباشرة التي تجبيها السلطة الفلسطينية. وأوضح قسيس أن حجم فاتورة المقاصة يتراوح ما بين 450 و500 مليون شيقل شهريا، تقوم إسرائيل باقتطاع حوالي 100 مليون شيقل منها بدل خدمات صحة وكهرباء ومياه وغيره، وتدفع السلطة للرواتب حوالي 300 شيقل والباقي مصاريف تشغيلية.

وتشكل رواتب موظفي السلطة والتي تضخ في السوق بصورة شهرية المحرك الأساس لعجلة الاقتصاد الفلسطيني ولحركة السوق التجارية. وأضاف قسيس «لقد بلغت ديون البنوك على السلطة حوالي 1,2 مليار دولار، وان فرص الاقتراض من البنوك أصبحت محدودة كوننا اقتربنا من الحد الأعلى المسموح للاقتراض بما لا يهدد سلامة الجهاز المصرفي». وقال قسيس «على الحكومة توسيع مساحة الاعتماد على مواردها الذاتية، ولكننا سنظل بحاجة إلى المساعدة طالما أننا تحت الاحتلال ولا نستطيع السيطرة على مواردنا، وقد تدفعنا الظروف للاعتماد على ما يصلنا من ضرائب، ولكن هذا لا يعني اكتفاء ذاتيا»، لافتا إلى المشاكل الكبيرة التي خلقها عدم التزام إسرائيل باتفاق باريس الاقتصادي رغم عيوبه ومشاكله. وأوضح ان حصة الفرد من الناتج القومي تصل إلى 1600 دولار في السنة، وهو يشكل 1/20 من الاقتصاد الإسرائيلي يتم التعامل مع أراضي السلطة كوحدة جمركية واحدة حسب اتفاق باريس الاقتصادي، ما يعني توازي قيمة السلع بين السوق الفلسطينية والإسرائيلية مع فوارق الدخل الضخمة.

وأرجع مدير عام مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية «ماس» سمير عبدالله هذا التراجع إلى الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة الوطنية الفلسطينية وغياب الأفق السياسي وعدم تنفيذ اتفاق المصالحة. واشار الى ان الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة هي حصيلة هذه العوامل، وان إمكانيات وفرص السلطة بتحسين مواردها من إيراداتها المحلية، نتيجة تحسن إداراتها لهذه الموارد، لن تزيد على 10% في أكثر السيناريوهات تفاؤلا، وان السلطة تحتاج إلى قفزة في النمو الاقتصادي لتجاوز أزمتها وفرصها محدودة وضعيفة في مجال الحصول على إيرادات أكبر، ودون دعم المانحين لن تتمكن من تجاوز هذه الأزمة التي ستنعكس بمزيد من تراجع النمو.

ويعكس تقرير لمؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية «الاونكتاد» الخاص بفلسطين، والذي تم نشره بداية أيلول الماضي، جوا من التشاؤم. ويقول التقرير ان أداء الاقتصاد الفلسطيني سيزداد سوءا على المدى الطويل رغم النمو الحالي، كما يعرب التقرير عن القلق إزاء التقشف المالي وانعدام الأمن الغذائي وتزايد الفقر وتراجع القطاع الزراعي والآثار السلبية الناجمة عن استمرار الاحتلال وانخفاض الدعم المالي المقدم من الجهات المانحة. وأشار التقرير إلى ان النمو الذي تحقق خلال العام 2011 ومستهل العام 2012 ليس مستداما، وان نسبة كبيرة منه تعتمد على المعونة من الخارج، وهذا التوسع الاقتصادي اقترن بتراجع قيمة الأجور الحقيقية وإنتاجية اليد العاملة، ولم يؤد إلى خفض معدلات البطالة المرتفعة التي ظلت عند مستوى 26% وهو أشد في غزة منه في الضفة، في حين يبلغ مستوى كبيرا في القدس الشرقية ويقدر بنسبة 78%.

وقال التقرير إن الاحتلال قضى على جميع فرص التسويق والاستثمار المحلية والخارجية، وأدى إلى تآكل الأراضي والموارد الطبيعية المتاحة للمواطنين لمزاولة أنشطة منتجة اقتصاديا، وتقتصر الاستثمارات العامة والخاصة على 63% من الأرض المعروفة بمناطق «ج» التي تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.

وحسب الوكيل المساعد لوزارة الاقتصاد الوطني حازم شنار تشير أرقام الجهاز المركزي عند المقارنة بين الأسعار والأجور الاسمية الى ان الأجور فقدت حوالي ربع قيمتها خلال السنوات التسع الماضية ما ينعكس سلبا على مستوى معيشة العاملين بأجر وعائلاتهم في الأرض الفلسطينية، وبما يعني زيادة في الفقر النسبي لهذه الفئة الواسعة من الشعب. ولم يخالف تقرير البنك الدولي المقدم للمانحين نهاية شهر ايلول الماضي تقرير «الاونكتاد» في توصيفه للأزمة المالية وأزمة الاقتصاد الفلسطيني، وأوصى بإعطاء السلطة منحة بقيمة 400 مليون دولار، إضافة إلى وفاء المانحين بتعهداتهم للخروج من أزمة ديونها، وإذا لم يتم ذلك فسيكون الوضع أسوأ.

ويجمع الاقتصاديون والأكاديميون على أن الحل السريع والمباشر لإنقاذ السلطة الوطنية الفلسطينية من أزمتها يكمن في تدفق أموال المانحين للسلطة من جديد، وعلى المدى البعيد هناك دعوات للسلطة الفلسطينية لإعادة هيكلة اقتصادها وزيادة الاعتماد على قطاع الزراعة والصناعة لقدرته على تحمل الصدمات وخلق فرص العمل وتعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه.