يأتي خفض تصنيف الدولة اللبنانية الائتماني من قبل شركة «ستاندرد آند بورز» إلى «ب « (B-) نتيجة تردي الأوضاع المالية العامة، وزيادة النفقات وعجز الموازنة والخزينة خلال العام 2013، حتى نهاية الفصل الثالث بحوالي 800 مليون دولار، وعدم توقف الوزارات والإدارات عن الطلبات الجدية التي ترفع العجز عن المقدر له في مشروع الموازنة من جهة، ونتيجة الهجمة على المالية العامة في ظل تراجع المؤشرات الاقتصادية التي انعكست على إيرادات الدولة بأكثر من 2 في المئة، وهي كانت قد وصلت إلى خمسة في المئة خلال الأشهر الأخيرة.
يضاف إلى هذه العناصر مجتمعة، استمرار طلبات السياسيين لتمويل مشاريع من الخزينة، وعدم اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات والصناديق الدولية، لا سيما في مشاريع المياه والكهرباء وغيرها التي يطالب البعض بدفعها من الخزينة، لا سيما مشاريع مياه الليطاني ومعالجة مياه البحيرات.
هذا الواقع دفع وزير المال محمد الصفدي إلى مقاطعة اجتماعات بعض اللجان احتجاجاً على مطالبة الفرقاء التزام الخزينة تمويل الاحتياجات في ما خص هذه المشاريع التي يؤكد وزير المال أن لها تمويلات خارجية.
في السياق نفسه، أظهرت المؤشرات المالية نمو العجز إلى حدود 6 آلاف مليار ليرة، التي يتمسك وزير المال بعدم تخطيها للعام 2013، للبقاء ضمن العجز المقدر في العام 2012، وهو حوالي 5650 مليار ليرة.
لم تعجب مؤسسات التصنيف التي ترى أن يلتزم لبنان معايير التقيد بتقليص العجز قدر الإمكان ووقف الهدر في بعض أماكن الإنفاق التي تخطت المعدلات المحددة سابقاً نتيجة النفقات غير المجدية في بعض الأماكن. وجاء قرار تصحيح الأجور من قبل الدولة للقطاعين العام والخاص الذي زاد النفقات من دون تغطية تذكر بما يقارب 900 مليار ليرة. هذا من دون «سلسلة الرتب والرواتب»، فكيف يكون الواقع مع إقرارها؟
لم تنس المؤسسات الدولية بالطبع، تقارير «صندوق النقد الدولي» التي حذرت وزارة المال من نمو العجز والوقوع في الهاوية، ناهيك عن الصعوبات في تأمين مصادر التمويل الداخلية من قبل المصارف، حيث يتولى مصرف لبنان تغطية العجز عبر الاكتتابات بسندات الخزينة، وإصدار شهادات الإيداع وتسويقها عبر المصارف. مع العلم أن محفظة مصرف لبنان بسندات الخزينة بالليرة عادت وارتفعت إلى ما يقارب حوالي 17 ألف مليار ليرة، أي ما يوازي 33 في المئة من ديون الليرة.
العنصر الأكثر تأثيراً في هذا الخفض لتصنيف لبنان، أنه سيرفع كلفة الاستدانة والمخاطر على الديون السيادية اللبنانية. مع إمكانية الإبقاء على التوقعات السلبية مع خفض التصنيف، وهو ما جعل وزير المال يكتب لشرح وجهة نظر المالية التقليل من حجم الضغط على تصنيف الديون اللبنانية. وهذا الواقع ناجم عن نمو الدين العام بأكثر من 8.7 في المئة على صعيد سنوي، في حين أن النمو الاقتصادي لن يكون أكثر من 1.4 في المئة في أحسن الظروف. وقد تخطى الدين العام خلال الفترة المنقضية من العام 2013 حوالي 60.3 مليار دولار.
على صعيد القطاع المالي والمصرفي، أشادت «ستاندرد أند بورز» بأداء القطاع المصرفي وملاءته ومحافظته على معدلات نمو مقبولة مع الإشادة بسياسة مصرف لبنان المركزي في الأداء ضمن المحافظة على الاستقرار وسلامة أداء القطاع المالي والمصرفي. كذلك الإشارة إلى أن لدى مصرف لبنان والقطاع المصرفي احتياطات ومعدلات قادرة على تأمين الاستقرار في هذه المرحلة.
تحريك أرقام موازنة 2014
إشارة أخرى إلى أن بعض مؤسسات التصنيف الدولية الأخرى تربط تصنيف الدولة بتصنيف المصارف على اعتبار أن تصنيف الدولة ينعكس عادة على تصنيف المصارف العاملة فيها. من هنا جاءت ضرورة العمل على تحريك أرقام موازنة العام 2014 لتكون إشارة من قبل وزارة المالية الى التقيد بتخفيض معدلات العجز خلال العام 2014 على اعتبار أن أرقام موازنة العام 2013 قد أنفقت في أكثرها من خلال الوزارات التي لا ينظر القائمون عليها إلى المخاطر المالية التي تحيط في الدولة، وعدم توافر مصادر التمويل وارتفاع كلفة المديونية.
لذلك جاء مشروع قانون موازنة العام 2014 الذي رفعته وزارة المال إلى رئاسة مجلس الوزراء ضمن المهلة النظامية، ليقدر النفقات العامة للعام المقبل بحوالي 21178 مليار ليرة، مقابل ايرادات قدرها حوالي 16825 مليار ليرة، أي بعجز قدره حوالي 4343 مليار ليرة ونسبته حوالي 5.9 في المئة من الناتج المحلي وحوالي 20.5 في المئة من إجمالي النفقات. مقابل حوالي 24.7 في المئة لموازنة العام 2013، وحوالي 7.8 في المئة من الناتج في العام 2013.
ت
قدر الموازنة في المشروع الجديد كلفة خدمة الدين العام بحوالي 5892 مليار ليرة مقابل حوالي 5700 مليار ليرة للعام 2013. وهذا أمر بديهي في ظل ارتفاع قيمة الدين ونموه بشكل أكبر من النمو الاقتصادي من جهة، ونتيجة تواصل العجز من جهة ثانية.
ويلحظ مشروع الموازنة زيادة كبيرة في الإيرادات قدرها حوالي 943 مليار ليرة أكثرها من العائدات الضريبية بما يقارب حوالي 967 مليار ليرة، في حين تلحظ تراجعاً في ضريبة الأملاك والاستيراد والتجارة نتيجة تراجع نشاطات هذه القطاعات عمومًا.
يأتي القسم الأكبر في زيادة النفقات من خلال زيادة غلاء المعيشة على الرواتب والأجور التي رفعت النفقات بحوالي 900 مليار ليرة منها حوالي 300 مليار لكلفة معاشات التقاعد والتعويضات التي ارتفعت إلى حوالي 2150 مليار ليرة في العام 2014 بعدما كانت حوالي 1850 مليارًا في 2013.
إشارة إلى أن أرقام موازنة العام 2104، لا تلحظ اعتمادات «سلسلة الرتب والرواتب» مع انها تلحظ مصادر تمويل إضافية لزيادة العائدات لتمويل عجز الموازنة، أبرزها عناوين واردة في مصادر تمويل سلسلة الرواتب وهذه مشكلة إضافية في تمويل النفقات المستجدة.
عجز الكهرباء
نقطة أخرى تتعلق بمستحقات الدولة، فقد خفضت وزارة المال مخصصات عجز «مؤسسة كهرباء لبنان» من حوالي 2863 مليار ليرة إلى حوالي 2563 مليار ليرة، بواقع حوالي 300 مليار عن العام 2013 في إطار تحفيز الكهرباء على تحسين الجباية وتعزيز ايراداتها. علمًا أن هذا الخفض لا يعكس حقيقة عجز الكهرباء في ظل أسعار النفط فوق المئة دولار للبرميل حيث العجز يفوق 3500 مليار ليرة من جهة، وحيث تراجع التغذية وتزايد التقنين وبالتالي قيمة العائدات من جهة ثانية.
وفي حال مقارنة عجز «كهرباء لبنان» مع حجم عجز الموازنة العامة، فإن عجز الكهرباء يشكل 84 في المئة من العجز العام، من دون احتساب مناطق النفقات الأخرى. ومن هنا تفسر فرض وزارة المال تقليص نفقات الكهرباء حوالي 200 مليون دولار. مع العلم هنا أن موازنة كهرباء لبنان وأرقامها لا تتوافق وتقديرات الموازنة العامة اللبنانية، وهي لو اعتمدت في أرقام نفقات الدولة لرفعت العجز إلى أكثر من 24 في المئة.