یستقبل الإیرانیون رمضان كسائر المسلمین بشغف وسرور ولهفة لأنه شهر الله الذي یحل فیه المسلمون ضیوفاً علی الرحمن وهو شهر التوبة والمغفرة وشهر لیلة القدر التي هي خیر من ألف شهر، ولرمضان في إیران نكهته الخاصة حیث تجری الاستعدادات لاستقباله قبل أسابیع فتزیّن المساجد بآیات من القرآن الكریم وبالمصابیح الملونة كما توضع فیه منصة خشبیة كبیر تتسع لسبعة أو ثمانية أشخاص ترتفع عن سطح الأرض بنصف متر لتكون مكان استقرار قراء القرآن الممیزین الذین یتم إعدادهم وتأهیلهم طوال السنة وذلك في جلسات قرآنیة تدار في لیالي الجمع في البیوت والمساجد، كما توزع علی أرض المسجد رحلات صغیرة وعلیها مصحف حیث یجلس الناس حولها.
هذه الجلسات القرآنیة تعقد یومیا في المساجد وذلك بعد ثلاث ساعات من الأذان والصلاة والإفطار حیث تبدأ الجلسة بقراءة دعاء الافتتاح الذي رواه الإمام علي ابن الحسین (ع) والذي جاء فیه (اللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك وأیقنت أنك أنت أرحم الراحمین في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبین في موضع النكال والنغمة وأعظم المتجبرین في موضع الكبریاء والعظمة اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك فأجب یا رحیم دعوتي وأقل یا غفور عثرتي..) ثم یقرأ كل قارئ من علی المنصة ما تيسر من القرآن ویتابع الجالسون علی الأرض هذه القراءة من خلال القرآن الموجود أمامهم وهكذا تتم في كل لیلة قراءة جزء من المصحف الشریف ویكون المشاركون في هذه الجلسات قد ختموا كل القرآن في هذا الشهر الفضيل. وتتخلل هذه الجلسات مسابقات قرآنیة واحتفالات في المناسبات التي ذكرناها وإحیاء لیالي القدر حتی الفجر بالذكر والمناجاة والتضرع إلی الله.
كما یقام في هذا الشهر معرض دولي للقرآن الكريم تشارك فیه أغلب الدول الإسلامیة حیث يعرض الفنانون لوحات قرآنیة رائعة. أما علی صعید المأكولات وما لذ وطاب من نعم الله على عبده فوجبة الإفطار في إیران لها خصوصیتها فهي تكون علی وجبتین الأولی وجبة إفطار حیث تهيئ ربة البیت مأدبة تضم الجبنة والخبز والشاي والتمر أو الرطب وكذلك الخضروات ولب الجوز و(شله زرد) التي سنتناول طریقة إعدادها فیما بعد. وعندما یرفع الأذان عبر التلفاز یفطر الصائمون بالتمر بعد قراءة الدعاء (اللهم لك صمنا وعلی رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك انت السمیع العلیم..) وبعدها یؤدي الصائمون صلاة المغرب والعشاء التي تقام في المساجد بعد نصف ساعة من الأذان.
وبعد ساعتین تكون ربة البیت قد أعدت مأدبة العشاء التي تضم الأكلات الأساسیة وهي إما (جوجه كباب) أي الرز مع الفروج المشوي وأما (چلو كباب) أي الرز مع الكفته إضافة إلى الحساء أو السوب والشوربة واللبن إضافة إلی الحلویات وتكون من بینها عادة (زولبیا وبامیه) أي الزلابیة والداطلي باللهجة العراقیة والكنافة باللهجة السوریة واللبنانیة وكأنها من مستلزمات مأدبة الإفطار.
أما أشهر المروقات الإیرانیة فهي (فسنجون وبادمجون وقیمة (صالونة)) لا مجال هنا لذكرها. أما (شله زرد) فهي عبارة عن رز یطبخ ثم یهرس حتی یتحول إلی سائل غلیظ یشبه الحلیب الرائب ثم یضاف إلیه السكر والزعفران وهو ساخن ثم یصب في الأواني ویوضع علیه قلیل من الفستق الخام (غیر المحمص والمملح) وبعد أن یترك لیبرد یقدم علی انه نوع من الحلوی الخالیة من الكوليسترول. وعند السحر وقبل أذان الصبح يستفيق الصائمون من نومهم ليتناولوا (السحور) ومأدبته تكون عادة خفيفة وتقتصر على الفاكهة والحلويات ثم يتهيؤون لصلاة الصبح.
وفي يوم التاسع والعشرين يدعو علماء الدين ومراجع التقليد الناس للاستهلال بالعين المجردة رافضين استخدام التكنولوجيا في هذا المجال فيبقى الناس في هذه الليلة على اتصال بمكاتب العلماء التي تبدأ بعد صلاة المغرب والعشاء باستقبال المستهلين فمتى ما استكملت الأدلة على ثبوت الرؤية يعلنون اليوم التالي عيداً وعندما ينتقل الخبر إلى المساجد يذاع على الحاضرين عبر الميكروفون وعندها يبدأ الجميع بتهنئة بعضهم البعض.
وفي صباح العيد يتوجّه الناس إلى المساجد لأداء صلاة العيد التي تكتظ عادة بالمصلين حتى تمتد صفوفهم إلى الشوارع المحيطة بها فيرفعون أصواتهم بالدعاء والشكر على إتمام نعمة الصيام. وعندما يعود الأب إلى البيت يستقبله الكبار والصغار مهنئين إياه وهذه التهنئة هي بمثابة إشعار له بأن يحرّك يده وينفق ما حلل الله من ماله الحلال ألا وهي (العيدية) فهنيئاً لمن قضى هذا الشهر صائماً في النهار وقائماً في الليل.
