هي مطربة عربية من الجزائر، عُرفت بصوتها الشجي وأغانيها المتميزة، تعاونت في مشوارها الفني الحافل مع أشهر الملحنين العرب، وكان على رأسهم بليغ حمدي، صقلت موهبتها حتى أصبحت مطربة من العيار الثّقيل، فأصبح الجميع مغرم بحُبّها والاستماع إلى صوتها، استطاعت أن تحتل مكانة خاصة في قلوب المصريين؛ لأنها أثبتت وجودها سريعًا.
إنها النجمة وردة الجزائرية، التي ظلت على مدى 50 عامًا تقدم كل جديد في مسيرتها الفنيّة الحافلة بالنّجاحات والإنجازات، ويمرّ اليوم 22 يوليو 2019، ذكرى ميلادها الـ80، وبهذه المناسبة ترصد "البوابة"، أبرز محطات حياتها.
وردة مغنية جزائرية، واسمها كاملا وردة محمد فتوكي، وولدت بالحيّ اللاتيني بباريس في 22 من يوليو عام 1939 لأب جزائريّ، وأم لبنانيّة، نشأت في منطقةٍ للمهاجرين بالقرب من باريس، وعندما بلغت سن الحادية عشرة غنت في المقهى العربي التابع لوالدها.
تم ترحيل العائلة في نهاية الخمسينيات؛ بسبب دعم والدها لجبهة التحرير الوطني الجزائرية المناهضة للاستعمار، وقد حرمت من حق العودة إلى الجزائر الفرنسية، وحينها استقروا في وطن أمها اللبنانية.
في 1949 وقفت لأول مرة على المسرح، وعندما رأت الجماهير بدأت بالبكاء بشدة، وبدعم من الجمهور وقفت من جديد وأدت أغاني أسمهان فنالت إعجاب الحضور وقاموا بعاصفةٍ من التصفيق.
وأصبح لدى وردة خبرة احترافية في مهنة الغناء من خلال غنائها في الملاهي الليلية في بيروت، وتطورت هذه العلاقة مع الجماهير في بيروت، وقالت "تعلمت كيفية التواصل مع الجماهير وكيف أصبح صديقتهم".
بدأت وردة بتأدية الأغاني الرومانسية بعد ذهابها إلى القاهرة في مطلع الستينيات، وازداد حب الجماهير لها، وأصبحت محط أنظار العديد من الملحنين فتم استدعاؤها لتغني في القاهرة، وأصبحت نجمهً شعبية في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولوحظ بشكل خاص ظهور الانتماء القومي العاطفي على أغانيها.
تعاونت مع الملحنين الأكثر شهرة مثل رياض السنباطي الذي لحن لها "بلاش تفارق" و"يا حبيبي لا تقولي"، وتطورت بينهما العلاقة إلى صداقة وثيقة وسميت ابنها على اسمه.
في عام 1962 حصلت الجزائر على استقلالها حديثًا، ومن هنا استقرت وردة في الجزائر، حيث عاشت مع زوجها الدبلوماسي الجزائري جمال القصري الذي اشترط أن تترك مهنتها في الغناء، ولكن هذا الشيء تغير بعد أن أنجبت طفليهما رياض ووداد، عندما قبلت دعوى الرئيس هواري بومدين لتغني في حفل ذكرى استقلال الجزائر عام 1972، وقرر زوجها ألا يقف في طريقها فكان الطلاق وديًا، وقالت وردة: "كنا متفقين حينها أكثر مما كنا عليه حينا قررنا الزواج"، وضحكت.
وبعدها أحبّها بليغ حمدي، وتعلّق قلبه بها، وحاول بليغ أنْ يطفئ نار حبّه، وسافر لطلب يدها، إلا أنّ والدها رفض طلبه من الأساس، بل قام بطرده من على باب الشّقة.
موقف والدها الرّافض له، جعل من بليغ متمسّكًا أكثر بها، ويكتب لها أغنية "العيون السود"، والتي رفض إعطاءها لأيّ فنان حتى أتته الفرصة، وذهب إلى الجزائر للاحتفال بعيد الاستقلال، عندما طلب منه السنباطي حضور الاحتفال بدلًا منه.
شاهدهها بليغ هناك، وتجدّد الحبّ، واتفقا على ضرورة الزّواج وتعويض ما فاتهما، وكان قد تم الطّلاق من زوجها الضّابط جمال القصري، وتزوّجتْ من بليغ حمدي، ليكونا معًا أجمل ثنائيّ فنيّ؛ فقد قدّما لنا روائع الفنّ في عمر زواجهما، الذي لم يستمرْ سوي 6 سنوات، فقد قالت عنه وردة آنذاك، إنه يهتمّ بعمله على حساب بيته.
وفي المقابل، صرّح بليغ، بأنّ حرمانه من حلم الأبوّة كان أهمّ أسباب الانفصال، فقد أجهضتْ وردة نفسها مرتين أثناء زواجهما، ورغم حدوث الطّلاق بينهما إلا أنّ مشاعر الحبّ والمودةّ ظلّت بينهما، فعندما اتّهم بليغ في قضيّة مقتل الفنّانة المغربية سميرة مليان، ذهبتْ إلى وزير الدّاخليّة زكي بدر آنذاك، لتتوسّط لخروج بليغ من السجّن، وهددته بالاعتصام أمام السّجن، إذا تمّ سجن بليغ يومًا واحدًا.
ظهرت وردة، في العديد من الأفلام مثل "صوت الحب" عام 1973، و"حكايتي مع الزمن" عام 1974.
صنعت وردة الجزائرية، اسمها في بيروت ودمشق، وقالت "بدأت بتأدية أغاني ثورية".
تم اختيارها من خلال منصة الأغاني على المسرح من قبل المنتج والمخرج المصري حلمي رفلة، وأعطاها دورها السينمائي الأول عام 1962، وقالت وردة "كنت أول فنانة من المغرب العربي تنتقل إلى مصر بعد الراقصة ليلى الجزائرية، التي تعاونت مع فريد الأطرش".
طالتْ وردة الكثير من التّحديّات، حيث تعرّضتْ لترحيلها من مصر، ولم تعدْ إلا في أوائل السّبعينيّات من القرن الماضي، بعدما تقلّد الرئيس السّابق محمد أنور السّادات، مقاليد الحكم.
وكشف الإعلاميّ، وجدي الحكيم، في حوار له عن سرّ ترحيل الرّئيس جمال عبد الناصر للفنّانة الرّاحلة خارج البلاد، فقال: "الصدفة وحدها جمعتها بالمشير عبد الحكيم عامر في دمشق أثناء حدوث عطل في سيارتها على الطريق، وعندما وصل الأمر إلى المشير الذي كان متواجدًا بدوره بالعاصمة السورية أمر بتوصيلها إلى المكان الذي تريد التوجه إليه ما جعل من الفنانة تقوم بشكره على هذا الموقف النبيل.
ويواصل "الحكيم"، أن الأمر انتهى لدى المشير، ولكن وردة، استغلت المقابلة بنشر شائعة أن هناك شيئًا ما بينها وبين المشير، وأنه أعطاها رقم هاتفه الخاص، وبدأت وردة، في الترهيب والتحذير لكل من يحاول إيذاءها أو النيل منها، وانتشرت الشائعة حتى وصلت للزعيم جمال عبد الناصر، الذي أمر فورًا بترحيلها خارج مصر لكذب ادعاءاتها.
عاشت الفنانة الراحلة وردة في أماكن مختلفة في أعوامها الـ72، حيث غنّت للثورات والأوطان والحب، وصافحت الرؤساء، وربتت على أكتاف العديد من مشاهير العصر الذهبي.
تزوجت مرتين وتعرضت لنوبات مرضية طويلة وخضعت لعمل جراحي وعادت من جديد إلى الأضواء.
عاشت وردة، أكثر من حياةٍ منذ ولادتها عام 1939، إنها مشرقة ومرحة، متواضعة، عفوية وواثقة من نفسها، جعلت كل من حولها يشعر بالراحة.
وردة الجزائرية هي إحدى عمالقة المسرح فقد أدت ذات مرة أغنية "بلاش تفارق" لمدة ساعتين متواصلتين.
هي أيضًا أم وجدة وطباخة ماهرة جدًا، كما قال عنها ابنها رياض في إحدى المقابلات في فندق بيروت قبل حفلها في 2 سبتمبر 2011.
ومن حيث ديانة وردة الجزائرية ومعتقداتها وطائفتها الأصلية، فقد ولدت لعائلة مسلمة سنية.
اعتقدت بأنه "يجب على الناس أن يضعوا الماضي خلفهم وألا يروجوا للكراهية"، رغم الخراب الذي خلفه الاستعمار في بلد المليون شهيد.
قالت عن بليغ حمدي: "هو فاشل كزوج لكنه موسيقي وفنان عبقري".
توفيت وردة الجزائرية، في 17 مايو 2012 إثر سكتةٍ قلبية عن عمر ناهز 72 عامًا، حيث فاجأتها أزمة قلبيّة لتودّع الحياة، والفنّ، ويقوم الرّئيس الجزائريّ بوتفليقة، بإرسال طائرة عسكريّة تنقل جثمانها إلى مقرّ دفنها في الأراضي الجزائريّة، وفي 19 مايو نقل جثمانها إلى مسقط رأسها الجزائر وشيعت بجنازة رسمية ودفنت في مقبرة العلية في الجزائر، وهي مقبرة مخصصة للأبطال الوطنيين، وبعد وفاتها قال وزير الثقافة الجزائري خليفة طعمي: "توفيت وردة الجزائرية، واحدٌ من أجمل الأصوات الجزائرية العربية أصبح صامتًا إلى الأبد".
للمزيد من قسم بروفايل: