في مقال كتبه ديفيد بلير في صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، أمس، ذكر أنه التقى في زيارته لجنوب تركيا شابًا متحمسًا يريد الدخول إلى سوريا من المخيمات الحدودية والمشاركة في الإطاحة بنظام الأسد، وعندما سأله كيف سيحقق هذا؟ فقال من خلال إرسال رسائل هاتفية والحديث عبر «سكايب» لفضح جرائم النظام السوري.ويعلق الكاتب: إن أحدًا لا يشك في شجاعة والتزام أحمد بالقضية، لكنه أصبح، مثل غيره من الناشطين، مواطنًا صحفيًا على الشبكات الاجتماعية، لكن السؤال هو: كيف ستقوم المعارضة بالإطاحة بنظام الأسد؟ ويضيف: إن مقاتلي الجيش السوري الحر عالقون في تركيا لا يستطيعون الدخول لسوريا إلا بعد تجنب حقول الألغام والرقابة الشديدة على الحدود، وإن نجحوا فإنهم بأسلحتهم سيواجهون معارك دموية ولهذا فهم واقعيون في خططهم وأهدافهم، ويتساءل قائلاً: أي الأمرين تحتاجهما الثورة السورية، مقاتلون على الشبكات الاجتماعية يبثون للعالم جرائم النظام وفظائع جيشه أم جيش مسلح ومدرب على الطرق الحديثة لمواجهة جيش رسمي؟ فالثورة السورية التي اندلعت منذ أكثر من عام أثبتت محدودية المقاومة عبر الشبكات الاجتماعية وقدرتها على تحقيق تغيير في السلطة، وهو ما تم الحديث عنه في سياق الثورات الشعبية في تونس ومصر.
صحيح أن الشبكات الاجتماعية جعلت قضية سوريا حية في ضمير العالم، وصحيح أن الصور المريعة على يوتيوب والقنوات التليفزيونية جعلت مدن سوريا الثائرة حاضرة في النقاشات السياسية ومحفزة للجهود الدبلوماسية الدولية وحلت محل الإعلام المحترف والممنوع من دخول سورية وتغطية الأحداث فيها، ولكن هذه النشاطات لم تحقق التغيير المنشود، كما يذكر الكاتب، فلايزال الأسد ممسكًا بخيوط اللعبة، وفي الشهرين الماضيين استطاع استعادة ما فقد السيطرة عليه وإن بكوارث على المدنيين، وهذه الانتصارات، حسب الكاتب، أعطته القدرة على التلاعب بالمجتمع الدولي وتفريغ مهمة كوفي عنان من جوهرها.
ويرى الكاتب أنه من أجل الإطاحة بنظام شرس وماهر في إدارة اللعبة، تحتاج الثورة السورية أكثر من التويتر، الفيديو، الرسائل الهاتفية، والنقاشات على الإنترنت، فما تحتاجه الثورة عمل منظم وقيادة مؤثرة من الداخل قادرة على إصدار الأوامر والتخطيط للإطاحة بالنظام، وعلى السوريين ألا يراهنوا كثيرًا على الوسائل الاجتماعية والعودة إلى الطريقة القديمة التي أطاحت بأنظمة ديكتاتورية، وهي حرب الشوارع والعصابات.
ويشير كاتب المقال إلى إستراتيجية حركة التحرير الوطني الجزائرية التي تبنت سياسة المجموعات المستقلة في التجنيد، والتي كانت قادرة على الانتشار حتى كان باستطاعة جيش التحرير إغلاق العاصمة الجزائرية والقيام بعمليات نوعية وإنجاح إضراب عام. وأدت هذه الإستراتيجية إلى تعقيد مهمة الاستخبارات الفرنسية التي لم تكن قادرة إلا على تفكيك مجموعة واحدة مكونة من القائد وشخصين آخرين.
وفي الحالة السورية، فإن غياب التنظيم يعني أن تظل المقاومة السورية مخترقة وعاجزة عن تحقيق الأهداف، فاعتمادها على الوسائل الاجتماعية يعطي الاستخبارات السورية الفرصة للتعرف على الأسماء والواجهات التي تتصل بالداخل، مما يعني كشف كل خططها في الداخل ونقاط الاتصال بها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن التكنولوجيا الحديثة وإن سهلت الاتصال إلا أنها قابلة للتطويع والاستخدام ضد المعارضة من خلال الإغراق بناشطين وهميين وسرقة أسماء ومواقع ونشر معلومات كاذبة.
وكمثال معاصر على محدودية الثورة الشعبية العفوية ما حدث في إيران في ما عرف بالثورة الخضراء التي اندلعت احتجاجا على تزوير الانتخابات عام 2009م، حيث اعتمدت على وسائل الاتصال الجماعي ولكن الاستخبارات الإيرانية كانت قادرة على إحباطها من خلال التعرف على قادتها واعتقالهم. وفي الحالات التي نجحت فيها شبكات الاتصال الاجتماعي تحقيق تغيير إنما وقف الجيش مع الشعب وتردد النظام الديكتاتوري في استخدام القوة، ويضاف إلى هذا العامل، فإن تونس ومصر لم تمنعا الإعلام المحترف من تغطية الأحداث، مما يعني مراقبة تصرفات النظام وأجهزته، وفي الحالة السورية، فإن أيًا من هذا لم يحدث. وفي النهاية، فإن ما سيعجل بسقوط النظام مقاومة منظمة تتبنى حرب العصابات.