كل ما يقوله دولة الرئيس ووزير المالية فيما يتعلق بالحالة الاقتصادية العامة، أمام ضعف النمو الاقتصادي، وعجز الموازنة، وضرورة تخفيض سقف الدعم للسلع الأساسية وخصوصاً الكهرباء والمحروقات هو كلام دقيق وصحيح، وهما الأقدر على معرفة الآثار السياسية لأي عمليات جراحية في المجال الاقتصادي، إذ أن الأردن يمر بأزمة سياسية وحالة من الحراك على مستويين، الأول هو الحراك السياسي الحزبي النخبوي، والثاني الحراك السياسي والاجتماعي الخدمي والمطالبي وهو باعتقادنا الأهم، إلا أنهما سوف يلتقيان معاً لمواجهة أي رفع للأسعار، ومن الممكن أن يغذي كل منهما الآخر للوقوف جبهة واحدة ضد قرارات الحكومة ذات الطابع الاقتصادي، لأنها تمس الجميع؛ ما يعمق الأزمة وتتحول إلى تيار شعبي جارف تستغله قوى تريد تعميق الأزمة، وتوريط البلاد بحالة من العنف أو الشغب ضد الممتلكات العامة والخاصة.
ومن جانب آخر فقد قاد جلالة الملك تحركاً سياسياً واسعاً شمل كافة المناطق الجغرافية والمكونات الاجتماعية منطلقاً من زيادة درجة التواصل بين الحاكم والمحكوم، وخلق قنوات حوار إيجابية لحل المشكلات القائمة وتقديم ما يمكن من مطالب لتلك المكونات الاجتماعية؛ ما زاد من درجة الرضا النفسي لدى الناس، وهذا الجهد المتواصل من لدن جلالة الملك هو التقرب من الناس ومحاولة حل مشكلاتهم بعيداً عن الحكومات المتعاقبة، وأن أي خطوة لرفع الأسعار الاساسية سيكون ذا أثر سياسي على هذا التحرك الملكي الناجح والناجع معاً في احتواء الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد.
إن التوقيت لرفع الأسعار غير مناسب في ظل الحالة الخانقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، الناس تقول: «استرجعوا الأموال العامة التي نهبت في الفساد أولاً قبل أن تحمّلوا المواطن وزر حالة لم يكن له فيها دخل أو دور»، هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد تحتاج إلى جراحات، ولكن الأزمة السياسية ستلقي بظلالها على الحالة؛ ما يزيد الطين بلّة، ناهيك عن إعطاء قوى المعارضة السياسية سلاحاً تحارب به الحكومة، وربما لن تقف عند هذا الحد، وفي البعد الاجتماعي هناك تزايد بمعدلات البطالة والفقر، والجريمة والانتحار، ناهيك عن تدني المستوى المعيشي وارتفاع الأسعار أصلاً وارتفاع معدلات التضخم. إن الحالة هذه سوف تعمق المشكل الاجتماعي وترفع من درجة الاحباط السياسي الذي سينعكس أثره على الحالة السياسية العامة للبلاد، وباعتقادنا أن التريت وعدم التسرع للخروج من الأزمة السياسية أولاً، وعندها لكل حادث حديث، حيث إن أمن واستقرار البلاد يتقدم على كل قرار، ولا بد من البحث عن بدائل وخيارات أخرى حفاظاً على النظام العام بكل مفرداته القانونية، إن لكل شيء ثمنًا، فهل نحن الآن قادرون على تحمل هذا الثمن.