سياسة أوباما الخارجية: فشل أم نجاح؟

تاريخ النشر: 27 سبتمبر 2012 - 05:28 GMT
الرئيس الأمريكي باراك أوباما
الرئيس الأمريكي باراك أوباما

ترددت في تحميل باراك أوباما المسؤولية الكاملة عن فشله في تحقيق إنجازات ذات قيمة في مجال السياسة الخارجية الأميركية. ترددت لسببين أعتقد أنهما خارجان عن إرادة الرئيس الأميركي، أيا كانت نياته وخططه التي كشف عنها خلال حملة الانتخابات في العام 2008. السبب الأول أنه في ذلك العام كانت أميركا، ومعها أو بعدها أوروبا، غارقتين في أزمة مالية هزت الاقتصاد العالمي وتسببت في كساد عظيم ما زالت البشرية تعاني ويلاته.


كان الشغل الشاغل للمراقبين، أميركيين وأجانب، متابعة أوباما وهو يحاول السير متوازنا بين مشكلات الداخل ومشـكلات الخارج. لم يكن ممكنا أو متصورا أن يدخل أوباما في مجازفات خارجية، أو يحدث تغييرا مشهودا في السياسة الخارجية في وقت كان عجزه في حل مشكلات عجز الموازنة والتستر على فضائح حي المصارف والرهونات والقروض واضحا أمام كل صانعي القرار في العالم الخارجي.

السبب الثاني الذي جعلني أتردد في تحميل أوباما مسؤولية فشل سياسات أوباما الخارجية، هو أنه وصل إلى البيت الأبيض في وقت شديد الاضطراب في العالم بأسره. نذكر أن السادة الرؤساء الذين تولوا مسؤولية الحكم في أميركا على امتداد المئة عام السابقة، وصلوا إلى البيت الأبيض بعد تلقين مكثف من مستشاريهم، وبعض هؤلاء المستشارين كانوا من أفضل الأساتذة وأكفأ الخبراء. كان هدف التلقين وضع المرشحين لمنصب الرئاسة في صورة وضع عالمي محدد المعالم واضح القسمات. ترومان استلم في مرحلة كان العالم ينتقل من قيادة متعددة الأطراف هزمتها الحرب العالمية إلى قيادة ثنائية طرفاها هما الدولتان اللتان خرجتا من الحرب باحتياطي قوة عسكرية هائلة. كذلك كان الحال مع جون كينيدي الذي جاء إلى الرئاسة مدركا تمام الإدراك أنه مسؤول عن إدارة حرب باردة ناشبة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ومهمته تفادي ان تتحول إلى حرب عالمية ثالثة. وجاء رونالد ريغان محمولا على أكتاف جبهة عريضة من مفكري اليمين المتشدد، أغلبهم مؤمن بأن فرصة اليمين العالمي للهيمنة قد حانت، وجدوا مارغريت تاتشر زعيمة متعطشة لاستعادة هيمنة الغرب والتمهيد لإعلان انتصار الرأسمالية، أو لعلها استخدمتهم إلى حدود قصوى، وكانت نتيجة مساعي هؤلاء المحافظين الجدد إغراق الاتحاد السوفياتي في وهم حرب فضاء استهلكت موارده وأثارت الانقسامات في القيادة السوفياتية فانكشف ضعف النظام.

وبعد ريغان كانت مهمة رؤساء أميركا إرساء قواعد نظام القطب الواحد على أساس حتمية قيامه في أعقاب سقوط الشيوعية والاتحاد السوفياتي، وعندما لم يتحقق هذا الأمل تحت ضغط الانحسار المتتالي للميزة النسبية لأميركا في النظام الاقتصادي العالمي، دخلت الولايات المتحدة مرحلة التعرف على عالم جديد غير العالم الذي تعودت عليه، فلا الأحلاف الثابتة التي نفذت بها واشنطن بعض غزواتها وسياساتها الخارجية بقيت على حالها، ولا التوازنات الإقليمية استمرت تخدم سياسات الهيمنة الأميركية ولا «الدولة» كلاعب في الساحة الدولية حافظت على مكانتها وهيبتها في مواجهة لاعبين جدد جاؤوا من خارج «النظام الدولي» ليقتحموا بالقوة وبدرجات متفاوتة من العنف حدود ما كان يعرف بقرن «السلم الأميركي».

هنا، في هذه المرحلة، ظهر في الساحة السياسية الأميركية باراك أوباما. كانت نياته كثيرة ومعلنة في كتب ومقالات وخطب وتضمنتها شعارات حملته الانتخابية. كانت خطته في الشرق الأوسط واضحة وكذلك خطته لعلاقات جديدة مع المسلمين في كل أنحاء العالم، وايضا خطته إزاء القارة الجنوبية في نصف الكرة الغربي.
نستطيع الآن، وإن اعترفنا بأن سببين أساسيين لم يكونا في الحسبان عطلا تنفيذ هذه الخطط والنيات، أن نقول إن كل الشواهد تشير إلى أن الرئيس الأميركي الذي يرشح نفسه لولاية ثانية فشل في تحقيق إنجاز يذكر في السياسة الخارجية خلال ولايته الأولى.


فشلت إدارة أوباما في الشرق الأوسط، ابتداء من التعامل مع أزمة النشاط النووي في إيران إلى تحريك التسوية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع التحفظ على أنها ربما نجحت في تأجيل قرار إسرائيل شن حرب ضد إيران، نعلم مسبقا أنها حرب إن نشبت فستصيب بالدمار مواقع ومصالح للولايات المتحدة في المنطقة وخارجها. فشلت في ضمان استقرار «السلام المصري الإسرائيلي» وقد تضطر الادارة القادمة لدفع تكلفة سياسية وربما عسكرية باهظة لاستعادة هذا الاستقرار.

من ناحية أخرى، كشفت أحداث العامين الأخيرين عن أن إدارة أوباما لم تفهم جيدا «عالم الإسلام» وأطيافه المتباينة وأحيانا متناقضة ومتصادمة. تصرفت حسب قناعات تراكمت في المكتبات وسجلات أجهزة صنع القرار خلال مرحلة «الاستشراق الجديد»، وبعضها قناعات لم يثبت أصالتها أو دقتها. سمعت فريقا يشير إلى الثورات العربية كدليل على نجاح إدارة أوباما والتخطيط السياسي الأميركي، ولم يقدم هذا الفريق الدليل المقنع بأن هذه الثورات، بحالتها الراهنة ومستقبلها المنظور، يمكن أن تخدم مصلحة أميركية متوسطة الأجل. جاءت حوادث السفارات الأميركية والتظاهرات «الإسلامية» ضد أميركا بسبب الفيلم ذاته، تؤكد ان «الثورات» لم تف بأي غرض أميركي إن كان حقا أن أميركا سعت لنشوبها أو شجعتها.

لا الأوضاع الراهنة في سيناء تخدم أهداف أميركا، ولا يخدمها عودة رماد الثورة إلى الاشتعال في أنحاء متعددة من العالم العربي، ولا خروج جيل جديد من الشباب، لا يمكن اتهامه بما اتهم به بعض قيادات ثورات الربيع، ولا ردود الفعل لعودة القوات الخاصة الأميركية إلى النزول بدون استئذان في أراضي أكثر من دولة عربية، ولا الرفض المتواصل لسياسات السوق المتوحشة وجر مصر وغيرها إلى متاهات الفشل الاقتصادي والفوضى الاجتماعية، ولا تعمد إذلال النخب الإسلامية الحاكمة في بلد أو آخر رغم أنها وصلت بأساليب ديموقراطية ودعم معنوي أميركي مشهود.

فريق يقول إن نتيجة الفرز الاجتماعي والفكري الذي أسفرت عنه الثورات، وبخاصة الثورة المصرية، تدل بوضوح على أن المجتمعات العربية تستعد لثورة أعـمق وأشمل. فالفشل الذي أصاب خطط أميركا وأهدافها الخــاصة في الشـرق الأوسط، يصيب الآن آمال كثيرين في المنطقة تصـوروا للحـظة أن «الحقيقة» الأبدية على وشك أن تهيمن، و«الحق» في المستقبل على وشك أن يكتمل.

نستطيع الآن.... أن نقول إن كل الشواهد تشير إلى أن الرئيس الأميركي الذي يرشح نفسه لولاية ثانية فشل في تحقيق إنجاز يذكر في السياسة الخارجية خلال ولايته الأولى.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن